Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 27-30)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { أوَلَمْ يَرَوا أَنَّا نسوقُ الماءَ } : المطر { إلى أرض الجُرُز } أي : التي جُرِزَ نباتها ، أي : قُطِعَ ، ولم يَبْقَ منه شيء إما لعدم الماء ، أو لأنه رُعِيَ . يقال : جرزت الجراد الزرع إذ استأصلته ، وفي القاموس : وأرض جرز : لا تنبت ، أو أكل نباتها ، أو لم يصبها مطر . ثم قال : وأرض جارزة : يابسة غليظة ، وفيه أربع لغات : جُرْز وجُرُز وجَرَز وجُرَز . ولا يقال للتي لا تنبت كالسباخ : جرز ، بدليل قوله : { فنُخرج به } أي : بالماء ، { زرعاً تأكل منه } أي : الزرع ، { أنعامُهم } كالتبن والورق ، { وأنفسُهم } كالحب والتمر ، المراد بالزرع : كل ما يُزرع ويُستنبت ، أفلا يُبصرون ، فيستدولون به على قدرته على إحياء الموتى ؟ . { ويقولون متى هذا الفتحُ } أي : النصر ، أو الفصل بالحكومة من قوله { رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا } [ الأعراف : 89 ] . وكان المسلمون يقولون : إن الله سيفتح لنا على المشركين ، أو يفتح بيننا وبينهم ، فإذا سمع المشركون ، قالوا : متى هذا الفتح ؟ أي : في أي وقت يكون { إن كنتم صادقين } في أنه كائن ؟ . { قل يومَ الفتح } أي : يوم القيامة هو يوم الفصل بين المؤمنين وأعدائهم . أو : يوم نصرهم عليهم . أو : يوم بدر ، أو يوم فتح مكة ، { لا ينفعُ الذين كفروا إيمانُهم } لفوات محله ، الذي هو الإيمان بالغيب ، { ولا هم يُنْظَرون } يُمْهِلون ، وهذا الكلام لم ينطبق جواباً عن سؤالهم ظاهراً ، ولكن لمّا كان غرضهم في السؤال عن وقت الفتح استعجالاً منهم ، على وجه التكذيب والاستهزاء ، أُجيبوا على حسب ما عُرف من غرضهم من سؤالهم ، فقيل لهم : لا تستعجلوا به ولا تستهزئوا ، فكأني بكم وقد حصلتم في ذلك اليوم وآمنتم ، فلم ينفعكم الإيمان ، واستنظرتم عند درك العذاب فلم تُمهلوا . ومن فسره بيوم بدر أو بيوم الفتح ، فهو يريد المقتولين منهم فإنهم لا ينفعهم إيمانهم في حال الفعل ، كما لم ينفع فرعون إيمانه عند دَرَك الغرق . { فأَعْرِضْ عنهم وانتظرْ } النصر وهلاكهم ، { إنهم مُنتظِرون } الغلبة عليكم وهلاككم . قال عليه الصلاة والسلام : " من قرأ { الم تَنزِيلُ } في بيته ، لم يدخل الشيطان به ثلاثة أيام " . الإشارة : أولم يروا أنا نسوق الماء الذي تحيا به القلوب على يد المشايخ ، إلى القلوب الميتة بالجهل والغفلة ، فنخرج به ثمار الهداية إلى الجوارح ، تأكل منه ، من لذة حلاوته ، جوارحُهم وقلوبُهم أفلا يبصرون ؟ . ويقول أهل الإنكار لوجود هذا الماء : متى هذا الفتح ، إن كنتم صادقين في أنه موجود ؟ قل : يوم الفتح الكبير - وهو يَوْمَ يَرْفَعُ اللهُ أولياءه في أعلى عليين - لا ينفع الذين كفروا بالخصوصية ، في دار الدنيا ، إيمانُهم في الالتحاق بهم ، ولا هم يُمهلون حتى يعلموا مثل عملهم ، فأعرض عنهم اليوم ، واشتغل بالله ، وانتظر هذا اليوم ، إنهم منتظرون لذلك . قال القشيري : " أو لم يروا … " الآية . الإشارة فيه : نَسْقي حَدَائِقَ وصلهم ، بعد جفاف عُودِها ، فيعود عُودُها مورِقاً بعد ذبوله ، حاكياً حالُه حالَ حصوله ، ويقولون متى هذا الفتح … استبعدوا يومَ التلاق ، وجحدوه ، فأخبرهم أنه ليس لهم إلا الحسرة والمحنة إذا شهدوه . قوله تعالى : { فأعرض عنهم … } أي : باشتغالك بنا ، وإقبالك علينا ، وانقطاعك إلينا ، وانتظر زوائد وَصْلِنا وعوائدَ لطفنا ، إنهم منتظرون هواجِمَ مقتنا وخفايا مكرنا . وعن قريب وَجَدَ كُلٌّ مُنْتَظَرَهُ مُحْتَضَراً هـ . وبالله التوفيق ، وصلى الله على سيدنا محمد ، عين الوصول إلى التحقيق ، وعلى آله المبينين سواء الطريق ، وسلم .