Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 15-17)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { ولقد كانوا عاهدوا اللهَ من قَبلُ } أي : قبل غزوة الخندق ، وهو يوم أحد . والضمير في " كانوا " لبني حارثة ، عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد ، حين فشلوا ، ثم تابوا ألا يعودوا لمثله ، وقالوا : { لا يُوَلُّونَ الأدبارَ } منهزمين أبداً ، { وكان عهدُ الله مسؤولاً } عن الوفاء له ، مُجازىً عليه ، أو : مطلوباً مقتضى حتى يوفى به . { قل لن ينفعَكُم الفرارُ إن فَررتُم من الموت أو القتل } ، فإنه لا بد لكل شخص من حتفِ أنفه ، أو : قتل في وقت معين سبق القضاء وجرى به القلم ، { وإذاً لا تُمتَّعُون إلا قليلاً } أي : إن حضر أجلكم لم ينفعكم الفرار ، وإن لم يحضر ، وفررتم ، لن تُمتعوا في الدنيا إلا زماناً قليلاً ، وهو مدة أعماركم ، وهو قليل بالنسبة إلى ما بعد الموت الذي لا انقضاء له . { قل مَن ذَا الذي يَعصِمُكُم من الله } أي : يمنعكم مما أراد الله إنزاله بكم { إن أراد بكم سوءاً } في أنفسكم ، من قتل أو غيره ، { أو أراد بكم رحمةً } أي : أراد بكم إطالة عمر في عافية وسلامة . أو : مَن يمنع الله من أن يرحمكم ، إن أراد بكم رحمة ، فَحُذِفَ سوءاً ، أو يصيبكم بسُوء ، إن أراد بكم رحمة ، فاختصر الكلام . { ولا يجدون لهم من دون الله ولياً } ينفعهم ، { ولا نصيراً } يدفع العذاب عنهم . الإشارة : ولقد كان عاهدَ الله مَنْ دخل في طريق القوم ، ألاَّ يولي الأدبارَ ، ويرجع إلى الدنيا والاشتغال بها حتى يتفتّر عن السير ، وكان عهد الله مسؤولاً ، فيسأله الحق تعالى عن سبب رجوعه عن الإرادة ، ولماذا حَرَمَ نَفْسَهُ من لذيذ المشاهدة ؟ قل - لمَن رجع ، ولم يقدر على مجاهدة نفسه : لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت لنفوسكم ، أو القتل بمجاهدتها وتجميلها بعكس مرادها ، وتحميلها ما يثقل عليها ، وإذا لا تُمتعون إلا قليلاً ، ثم ترحلون إلى الله ، في غم الحجاب وسوء الحساب . قل : مَن ذا الذي يعصمكم من الله ، إن أراد بكم سوءاً ؟ وهو البُعد والطرد ، أو : مَن يمنعكم من رحمته ، إن أراد بكم رحمة ، وهي التقريب إلى حضرته ، فلا أحد يعصمكم من إبعاده ، ولا أحد يمنعكم من إحسانه إذ لا وليّ ولا ناصر سواه . اللهم انصرنا بنصرك المبين ، وارحمنا برحمتك الخاصة ، حتى تُقَرِّبَنَا إلى حضرتك ، بفضل منك وجودك ، يا أرحم الراحمين . ثم ذكر نعوت أهل البعد فقال : { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ … }