Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 12-14)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { و } اذكر { إذ يقولُ المنافقون والذين في قلوبهم مرض } عطف تفسير إذ هو وصف المنافقين ، كقول الشاعر : @ إلى المَلِكِ القَرْمِ ، وابنِ الهُمَامِ ولَيْثَ الكتيبةِ في المُزْدَحَمْ @@ فابن الهمام هو القَرْمُ ، والقرم - بالراء - : السيد . وقيل : { الذين في قلوبهم مرض } ، هم الذين لا بصيرة بهم في الدين من المسلمين ، كان المنافقون يستميلونهم بإدخال الشُّبه عليهم ، قالوا ، عند شدة الخوف : { ما وَعَدَنَا اللهُ ورسولهُ إلا غُروراً } . رُوي أن مُعَتِّبَ بن قُشَيْرٍ ، المنافق حين رأى الأحزاب قال : إن محمداً يَعِدُنا فتح فارس والروم ، وأحدُنا لا يقدر أن يتبرّز ، خوفاً ، ما هذا إلا وعد غرور . هـ . { وإذ قالت طائفةٌ منهم } من المنافقين ، وهم عبد الله بن أُبيّ وأصحابه : { يا أهلَ يثربَ } ، وهم أهل المدينة ، { لا مقَام لكم } أي : لا قرار لكم هنا ، ولا مكان تقيمون فيه - وقرأ حفص : بضم الميم - اسم مكان ، أو مصدر ، { فارجعوا } من عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاربين ، أو : إلى الكفر ، فيمكنكم المقام بها ، أو : لا مقام لكم على دين محمد ، فارجعوا إلى الشرك وأظهروا الإسلام لتسلموا ، { ويستأذن فريقٌ منهم النبيَّ } أي : بنو حارثة ، { يقولون إن بيوتنا عورةٌ } : ذات عورة ، أي : خالية غير حصينة ، وهي مما يلي العدو . وأصلها : الخلل . وقرأ ابن عباس بكسر الواو : عَوِرَة ، يعني : قصيرة الجدران ، فيها خلل . تقول العرب : دار فلان عورة إذا لم تكن حصينة ، وعَوِرَ المكان : إذا بَدا فيه خلل يُخاف منه العدو والسارق ، ويجوز أن يكون عَوْرَة : تخفيفَ عَوِرة . اعتذروا أن بيوتهم عُرضة للعدو والسارق لأنها غير محصنة ، فاستأذنوا ليحصنوها ثم يرجعوا إليه ، فأكذبهم الله تعالى بقوله : { وما هي بعوْرةٍ } ، بل هي حصينة ، { إن يريدون إلا فراراً } من القتل . { ولو دُخِلَت عليهم } مدينتهم ، أو : بيوتهم . من قولك : دخلت على فلان داره . { من أَقْطارها } ، من جوانبها ، أي : ولو دَخلت هذه العساكر المتحزبة - التي يفرَّون خوفاً منها - مدينتَهم ، أو بيوتهم ، من نواحيها كلها ناهبين سارقين ، { ثم سُئِلوا } عند ذلك الفزع ، { الفتنةَ } أي : الردة والرجعة إلى الكفر ومقاتلة المسلمين ، أو : القتال في العصبية ، وهو أحسن لأنهم مسلمون ، { لأتوها } لجاؤوها وفعلوا . ومَن قرأ بالمد فمعناه : لأعطوها من أنفسهم ، { وما تلبثوا بها } بإجابتها وإعطائها ، أي : ما احتبسوا عنها { إلا يسيراً } ، أو : ما لبثوا بالمدينة ، بعد ارتدادهم ، إلا زماناً يسيراً ، ثم يهلكهم الله لأن المدينة كالكير تنفي خبثها ، وينصع طيبها ، والمعنى أنهم يتعلّلون بإعوار بيوتهم ليفرُّوا عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، وعن مصافة الأحزاب الذين ملأوهم رُعباً ، وهؤلاء الأحزاب كما هم لو سألوهم أن يقاتلوا فتنة وعصبية لأجابوهم ، وما تعلّلوا بشيء ، وما ذلك إلا لضعف إيمانهم ، والعياذ بالله . الإشارة : وإذ قالت طائفة من شيوخ التربية لأهل الفناء : لا مقام تقفون معه إذ قد قطعتم المقامات ، حين تحققتم بمقام الفناء ، فارجعوا إلى البقاء لتقوموا بآداب العبودية ، وتنزلون في المقامات ثم ترحلون عنها ، كما تنزل الشمس في بروجها ، فكل وقت يبرز فيه ما يقتضي النزول إلى مقامه . فتارة يبرز ما يقتضي التوبة ، وتارة ما يقتضي الخوف والهيبة ، أي : خوف القطيعة ، وتارة ما يقتضي الرجاء والبسط ، وتارة ما يقتضي الشكر ، وتارة الصبر ، وتارة ما يقتضي الرضا والتسليم ، وتارة ما يهيج المحبة أو المراقبة أو المشاهدة . وهكذا ينزل في المقامات ويرحل عنها ، ولا يقيم في شيء منها . ويستأذن بعض المريدين في الرجوع إلى مقامات الإيمان أو الإسلام ، أو شيء من أمور البدايات ، يقولون : إن بيوت تلك المقامات لم نُتقنها ، بل فيها عورة وخلل ، وما هي بعورة ، ما يريدون إلا فراراً من ثِقَل أعباء الحضرة . ولو دُخلت بيوت قلوبهم من أقطارها ، ثم سئلوا الرجوع إلى الدنيا لأتوها لأنها قريبةُ عَهْدٍ بتركها ، وما تلبّثوا بها إلا زماناً يسيراً ، بل يبغتهم الموت ، ويندمون ، قل متاع الدنيا قليل ، والآخرة خير لمَن اتقى . وقد كانوا عاهدوا الله ألاّ يرجعوا إليها ، كما قال تعالى : { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ … }