Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 1-3)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { يا أيها النبي } أي : المُشرِّف حالاً ، المفخم قدراً ، العلي رتبة لأن النبوة مشتقة من النَّبْوَةَ ، وهو الارتفاع . أو : يا أيها المخبرُ عنا ، المأمون على وحينا ، المبلغ خطابنا إلى أحبابنا . وإنما لم يقل : يا محمد ، كما قال : " يا آدم ، يا موسى " تشريفاً وتنويهاً بفضله ، وتصريحُه باسمه في قوله : { مُّحَمَدٌ رَّسُولُ اللهِ } [ الفتح : 29 ] ، ونحوه ، ليعلم الناس بأنه رسول الله . { اتقِ الله } أي : اثبت على تقوى الله ، { ولا تُطع الكافرين والمنافقين } لا تساعدهم على شيء ، واحترس منهم فإنهم أعداء لله وللمؤمنين . رُوي أن أبا سُفيان بن حرب ، وعكرمة بن أبي جهل ، وأبا الأعور السُّلمي ، نزلوا المدينة على ابن أُبيّ ، رأس المنافقين ، بعد أُحد ، وقد أعطاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأمان على أن يكلموه ، فقام معهم عبد الله بن أبي سَرْح ، وطُعْمَة بن أُبيْرق ، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ، وعنده عمر بن الخطاب : ارفض ذكر آلهتنا اللات ، والعزى ، ومناة ، وقل : إن لها شفاعة ومنفعة لِمن عَبَدَها ، وندعك وَرَبَّك . فشقّ على النبي صلى الله عليه وسلم قولهم ، فقال عمر : ائذن لنا ، يا رسول الله ، في قتلهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : " إني قد أعطيتهم الأمان " فقال عمر : اخرُجوا في لعنة الله وغضبه ، فخرجوا من المدينة ، فنزلت . أي : اتق الله في نقض العهد ، ولا تُطع الكافرين من أهل مكة ، كأَبي سفيان وأصحابه ، والمنافقين من أهل المدينة ، فيما طلبوا ، { إن الله كان عليماً } بخبث أعمالهم ، { حكيماً } بتأخير الأمر بقتالهم . { واتبع ما يوحى إليك من ربك } في الثبات على التقوى ، وترك طاعة الكافرين والمنافقين . أو : كل ما يوحى إليك من ربك ، { إن الله كان بما تعملون خبيراً } أي : لم يزل عالماً بأعمالهم وأعمالكم . وقيل : إنما جمع لأن المراد بقوله : " اتبع " : هو وأصحابه ، وقرأ بالغيب ، أبو عمرو ، أي : بما يعمل الكافرون والمنافقون ، من كيدهم لكم ومكرهم . { وتوكل على الله } أَسْنِدْ أمرك إليه ، وكِلْهُ إلى تدبيره . { وكفى بالله وكيلاً } حافظاً موكولاً إليه كل أمر . وقال الزجاج : لفظه ، وإن كان لفظ الخبر ، فالمعنى : اكتفِ بالله وكيلاً . الإشارة : أُمر بتقوى الله ، وبالغيبة عما يشغل عن الله ، وبالتوكل على الله ، فالتقوى أساس الطريق ، والغيبة عن الشاغل : سبب الوصول إلى عين التحقيق ، والتوكل زاد رفيق . قال القشيري بعد كلام : يا أيها المُرقَّى إلى أعلى المراتب ، المُتَلقَّى بأسنى القُرَب والمناقب اتقِ الله أن تلاحظ غَيْراً معنا ، أو تُساكِن شيئاً دوننا ، أو تُثبت شيئاً سوانا ، { ولا تطع الكافرين } إشفاقاً منك عليهم ، وطمعاً في إيمانهم ، بموافقتهم في شيء مما أرادوه منك . والتقوى رقيب على الأولياء ، تمنعهم ، في أنفاسهم وسكناتهم وحركاتهم ، أن ينظروا إلى غيره ، أو يُثْبِتُوا معه سواه ، إلا منصوباً بقدرته ، مصرَّفاً بمشيئته ، نافذاً فيه حُكْمُ قضيته . التقوى لجامٌ يمنعك عمَّا لا يجوز ، زمامٌ يقودك إلى ما تُحب ، سوطٌ يسوقك إلى ما أمر به ، حِرْزٌ يعصمك من تَوَصُّل عقابه إليك ، عوذَةٌ تشفيك من داء الخطايا . التقوى وسيلةٌ إلى ساحة كرمه ، ذريعةٌ يُتَوصَّلُ بها إلى عفوه وجوده . { واتبع ما يوحى إليك … } لا تبتدع ، واقتِد بما نأمرك ، ولا تقتدِ ، باختيارك ، غَيْرَ ما نختار لك ، ولا تُعَرِّج - أي : تقم - في أوطان الكسل ، ولا تجنجْ إلى ناحية التواني ، وكن لنا لا لك ، وقم بنا لا بِكَ . " وتوكل " انسلخْ عن إهابك لنا ، واصدق في إيابك إلينا ، وتشاغلك عن حُسْبَانِكَ معنا ، واحذرْ ذهابَكَ عنا ، ولا تُقَصِّرْ في خطابك معنا . ويقال : التوكل : تَخلُّقُ ، ثم تَخلُّقٌ ، ثم تَوَثُقٌ ، ثم تَمَلُّقٌ ، تحققٌ في العقيدة ، وتخلقٌ بإقامة الشريعة ، وتَوثُّقٌ بالمقسوم من القضية ، وتملقٌ بين يديه بحُسْن العبودية . ويقال : التوكل : استواءُ القلب في العدم والوجود . هـ . والتقوى محلها القلب ، ولا يحصل منتهاها إلأا بانفراد القلب إلى مولاه كما أبان ذلك بقوله : { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ … }