Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 4-5)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { ما جعل اللهُ لرجلِ من قلبين في جوفه } فيؤمن بأحدهما ويكفر بالآخر ، أو : يتقي بأحدهما ويعصي بالآخر ، أو : يُقبل على الله بأحدهما ويُقبل على الدنيا بالآخر ، بل ما للعبد إلا قلب واحد ، إن أقبل به على الله أدبر عمن سواه ، وإن أقبل به على الدنيا ، أدبر عن الله . قيل : الآية مثل المنافقين ، أي : إنه لا يجتمع الكفر والإيمان ، وقيل : لا تستقر التقوى ونقض العهد في قلب واحد . وقال ابن عطية : يظهر من الآية ، بجملتها ، أنها نفي لأشياء كانت العرب تعتقدها في ذلك الوقت ، وإعلام بحقيقة الأمر فيها ، فمنها : أن العرب كانت تقول : الإنسان له قلب يأمره وقلب ينهاه ، وكان تَضَادُّ الخواطر يحملها على ذلك … الخ كلامه . قال النسفي : والمعنى : أنه تعالى لم يجعل للإنسان قلبين لأنه لا يخلو : إما أن يفعل بأحدهما مثل ما يفعل بالآخر من أفعال القلوب ، فأحدهما فَضْلَةٌ ، غير مُحْتاَج إليه ، وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذلك ، فيؤدي إلى اتصاف الجملة بكونه مريداً كارهاً ، عالماً ظانّاً ، موقناً شاكّاً في حالة واحدة . هـ . وكانت العرب تعتقد أيضاً أن المرأة المظاهَرَ منها : أُمًّا ، فردّ ذلك بقوله : { وما جعل أزواجَكم اللائي تُظاهرون منهن أمهاتِكم } أي : ما جمع الزوجية والأمومة في امرأة واحدة لتضاد أحكامهما لأن الأم مخدومة ، والمرأة خادمة . وكانت تعتقد أن الدّعي ابن ، فردّ عليهم بقوله : { وما جعل أدعياكم أبناءكم } أي : لم يجعل المُتَبَنَّى من أولاد الناس ابناً لمَن تبناه لأن البنوة أصالة في النسب ، والدعوة إلصاق عارض بالتسمية ، لا غير ، ولا يجتمع في شيء واحد أن يكون أصيلاً وغير أصيل . ونزل هذا في " زيد بن حارثة " ، وهو رجل من كلب ، سُبي صغيراً ، فاشتراه حكيم بن حزام ، لعمته خديجة ، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له ، فطلبه أبوه وعمه ، وجاءا بفدائه ، فخُيَّر ، فاختار رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فأعتقه وتبنّاه . وكانوا يقولون : زيد بن محمد ، فلما تزوج النبيُّ صلى الله عليه وسلم زينب وكانت تحت زيد - على ما يأتي - قال المنافقون : تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى عنه ، فأنزل الله هذه الآية . وقيل : كان المنافقون يقولون : لمحمد قلبان ، قلب معكم ، وقلب مع أصحابه . وقيل : كان " أبو مَعْمَر " أحفظ العرب ، فقيل : ذو القلبين ، فأكذب اللهُ قولَهم . والتنكير في رجل ، وإدخال " مِن " الاستغراقية على " قلبين " ، وذكر الجوف للتأكيد . و " اللائي " : جمع " التي " . وفيها قراءات : " اللاء " بالهمزة مع المد والقصر ، وبالتسهيل ، وبالياء ، بدلاً من الهمز . وأصل { تظاهرون } : تتظاهرون ، فأدغم . وقرأ عاصم بالتخفيف منْ : ظَاَهَر . ومعنى الظهار : أن تقول للزوجة : أنت عليّ كظهر أمي . مأخوذ من الظهر ، وتعديته بمن لتضمنه معنى التجنُّب لأنه كان طلاقاً في الجاهلية . وهو في الإسلام يقتضي الحرمة حتى يُكفَّر ، كما يأتي في المجادلة . والأدعياء : جمع دعي ، فقيل : بمعنى مفعول ، وهو الذي يُدعى ولداً ، وجمعه على أَفْعِلاَء : شاذ لأن بابه ما كان منه بمعنى فاعل كتقي وأتقياء ، وشقي وأشقياء . ولا يكون في ذلك نحو رَمِيَّ وسَمي ، على الشذوذ . وكأنه شبهه بفعيل بمعنى فاعل ، فَجُمِعَ جَمْعَهُ . { ذلكم قولُكُم بأفواهكم } إذ إن قولكم للزوجة : أُمًّا ، والدعيّ : هو ابن ، قول تقولونه بألسنتكم لا حقيقة له ، إذ الابن يكون بالولادة ، وكذا الأم . { واللهُ يقولُ الحقِّ } ما له حقيقة عينية ، مطابقة له ظاهراً وباطناً { وهو يهدي السبيلَ } سبيل الحق . ثم بيّن ذلك الحَقَّ ، وهدى إلى سبيله ، فقال : { أدعوهم لآبائهم } انسبوهم إليهم . { هو } ، أي : الدعاء { أقْسَطُ } أعدل { عند الله } . بيّن أن دعاءهم لآبائهم هو أدخل الأمرين في العدل . وقيل : كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه ولد الرجل ضمّه إليه ، وجعل له مثل نصيب الذكر من أولاده ، من ميراثه . وكان ينسب إليه ، فيقال : فلان بن فلان . { فإن لم تعلموا آباءهم } أي : فإن لم تعلموا لهم آباء تنسبونهم إليهم ، { فإِخوانُكُم في الدين ومواليكم } أي : فهم إخوانكم في الدين ، وأولياؤكم فيه . فقولوا : هذا أخي ، وهذا مولاي ، ويا أخي ، ويا مولاي ، يريد الأخوة في الدين والولاية فيه ، { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } أي : لا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك ، مخطئين جاهلين ، قبل ورود النهي ، أو بعده ، نسياناً . { ولكن ما تعمَّدَتْ قلوبُكم } أي : ولكن الإثم فيما تعمِّدتموه بعد النهي . أو : لا إثم عليكم إذا قلتم لولد غيركم : يا بنيّ ، على سبيل الخطأ ، أو : الشفقة ، ولكن إذا قلتموه متعمدين على وجه الانتساب . { وكان الله غفوراً رحيماً } لا يؤاخذكم بالخطأ ، ويقبل التوبة من المعتمِّد . الإشارة : العبد إنما له قلب واحد ، إذا أقبل به على مولاه أدبر عن ما سواه ، وملأه اللهُ تعالى بأنواع المعارف والأسرار ، وأشرقت عليه الأنوار ، ودخل حضرة الحليم الغفار ، وإذا أقبل به على الدنيا أدبر عن الله ، وحُشي بالأغيار والأكدار ، وأظلمت عليه الأسرار ، وطبع فيه صور الكائنات ، فّحُجِبَ عن المُكَوِّنِ . وكان مأوى للخواطر والوساوس ، فلم يَسْوَ عند الله جناح بعوضة . قال القشيري : القلب إذا اشتغل بشيء اشتغل عما سواه ، فالمشتغلُ بما مِنَ العَدَمِ منفصلٌ عَمن له القِدَمُ ، والمتصل بقلبه بِمَنْ نَعْتُهُ القِدَم مشتغلٌ عمِّا من العدم ، والليل والنهار لا يجتمعان ، والغيبُ والغيرُ لا يلتقيان . هـ . وقوله تعالى : { وما جعل أزواجكم … } الآية ، يمكن أن تكون الإشارة فيها إلى أنَّ مَنْ ظاهَرَ الدنيا ، وتباعد عنها لا يحل له أن يرجع ، ويتخذّها أُمًّا في المحبة والخدمة . وقوله تعالى : { وما جعل أدعياءكم أبناءكم … } : تشير إلى أنه لا يحل أن يَدَّعِيَ الفقيرُ حالاً ، أو مقاماً ، ما لم يتحقق به ، وليس هو له ، أوْ : يَنْسِبَ حِكْمَةً أوْ عِلْماً رفيعاً لنفسه ، وهو لغيره ، { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله } . وقوله : { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين … } : إخوان الدين أّوْلَى ، وإخوان الطريق أحب وأصفى . قال القشيري : وقرابةُ الدين ، في الشكلية ، أولى من قرابة النَّسَب ، وأنشدوا . @ وَقَالُوا : قَرِيبٌ مِنْ أبٍ وَعُمُومَةٍ فَقُلْتُ : وَإخْوَانُ الصَّفَاءِ الأقارِبُ مَنَاسِبُهُمْ شَكْلاً وَعِلْماً وأُلفة وَإنْ بَاعَدَتْنَا فِي الأُصُولِ التَّنَاسُبُ @@ ثم ذكر أبوّة النبي صلى الله عليه وسلم وأمومة أزواجه لجميع أمَّته ، فقال : { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ … } .