Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 35-35)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { إِن المسلمين والمسلماتِ } أي : الداخلين في الإسلام ، المنقادين لأحكام الله قولاً وفعلاً ، فالمسلم : هو الداخل في السلم بعد الحرب ، المنقاد الذي لا يُعاند ، أو : المفوِّض أمره إلى الله ، المتوكل عليه ، مِن : أسلم وجهه إلى الله ، { والمؤمنين والمؤمنات } المصدِّقين بالله ورسوله ، وبما يجب أن يصدّق به ، { والقانتين والقانتات } المداومين على الطاعة ، { والصادقين والصادقات } في النيات ، والأقوال ، والأفعال ، { والصابرين والصابرات } على الطاعات وترك السيئات ، { والخاشعين والخاشعات } المتواضعين لله بالقلوب والجوارح ، أو : الخائفين : { والمتصدِّقين والمتصدِّقات } فرضاً ونفلاً ، { والصائمين والصائمات } فرضاً ونفلاً . وقيل : مَن تصدّق في أسبوع بدرهم فهو من المتصدقين ، ومَن صام البيض من كل شهر ، فهو من الصائمين ، { والحافظين فروجَهم والحافظاتِ } عما لا يحلّ ، { والذاكرين الله كثيراً والذاكرات } بقلوبهم وألسنتهم ، بالتسبيح ، والتهليل ، والتكبير ، وتلاوة القرآن ، وغير ذلك من الأذكار ، والاشتغال بالعلم لله ، ومطالعة الكتب من الذكر . وحذف " كثيراً " في حق الذاكرات لدلالة ما تقدم عليه . وقال عطاء : مَن فوّض أمره إلى الله فهو داخل في قوله : { إن المسلمين والمسلمات } ، ومَن أقرّ بأن الله ربه ، وأن محمداً رسوله ، ولم يخالف قلبُه لسانَه ، فهو من المؤمنين والمؤمنات ، ومَن أطاع الله في الفرض ، والرسول في السُنَّة ، فهو داخل في قوله : { والصادقين والصادقات } ، ومَن صلّى فلم يعرف مَنْ عن يمينه وعن شماله ، فهو داخل في قوله : { والخاشعين والخاشعات } ، ومَن صبر على الطاعة وعن المعصية ، وعلى الذرية ، فهو من { الصابرين والصابرات } ، ومَن تصدّق في كل أسبوع بدرهم ، فهو من المتصدقين والمتصدقات ، ومَن صام في كل شهر أيام البيض ، الثالث عشر وما بعده ، فهو من الصائمين والصائمات ، ومَن حفظ فرجه عما لا يحل فهو من الحافظين فروجهم والحافظات ، ومَن صلّى الصلوات الخمس بحقوقها فهو من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات . قال ابن عباس : جاء إسرافيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، عدد ما علم ، وزنة ما علم ، وملءَ ما علم . مَن قالهن كُتبت له ست خصال كتب من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات ، وكان أفضل ممن ذكره في الليل والنهار ، وكان له عرش في الجنة ، وتحاتت عنه ذنوبه ، كما تحات ورق الشجر اليابس ، وينظر الله إليه ، ومَن نظر إليه لم يعذبه . وقال مجاهد : لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضجعاً . هـ . من الثعلبي . وسُئل ابنُ الصلاح عن القَدْر الذي يصير به العبد من الذاكرين الله كثيراً ؟ فقال : إذا واظب على الأذكار المأثورة صباحاً ومساءً ، وفي الأوقات والأحوال المختلفة ، ليلاً ونهاراً ، كان من الذاكرين كثيراً . هـ . قلت : وقد تتبعت ذلك في تأليف مختصر سميته : " الأنوار السنية في الأذكار النبوية " . هذا وعطف الإناث على الذكور لاختلاف الجنسين . وهو ضروري كقوله : { ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } [ التحريم : 5 ] . وعطف الزوجين على الزوجين لتغاير الوصفين ، وليس بضروري ، ولو قال : " إن المسلمين والمسلمات المؤمنين والمؤمنات " بغير واو لجاز ، كقوله : { مسلمات مؤمنات قانتات … } الخ ، وهو مِن عطف الصفة ، ومعناه : إن الجامعين والجامعات لهذه الصفات . { أَعَدَّ اللهُ لهم مغفرة } لِما اقترفوا من السيئات ، { وأجراً عظيماً } على طاعتهم . قال البيضاوي : والآية وعد لهن ، ولأمثالهن ، على الطاعة والتدرّعُ بهذه الخصال . رُوي أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن : ذكر الرجال في القرآن بخير فما فينا خير ، فنزلت . هـ . الإشارة : اعلم أن اصطلاح الصوفية أن ما يتعلق بعمل الجوارح الظاهرة يُسمى إسلاماً ، وما يتعلق بعمل القلوب الباطنية يُسمى إيماناً ، وما يتعلق بعمل الأرواح والأسرار يُسمى إحساناً . قال في البغية : فالإسلام يشتمل على وظائف الظاهر ، وهي الغالبة عليه ، ذلك من عالم الشهادة ، والإيمان يشتمل على وظائف الظاهر ، وهي الغالبة عليه ، وذلك من عالم الغيب ، وهي الأعمال الغيبية ، ولمّا انفتح لها باب من الأعمال الظاهرة للعبادة ، وأشرقت عليها من ذلك أنوار ، وتعلقت همتها بعالم الغيب ، مالت إلى الوفاء بالأعمال الباطنية ، ثم لمّا تمكنت في الأعمال الباطنة ، واطلعت على عالَمها ، وأشرفت على طهارتها ، وتعلقت همتها بعالم الملكوت ، مالت إلى الوفاء بالأسرار الإحسانية ، ومن هناك تدرك غاية طهارتها وتصفيتها ، والاطلاع على معارف الحقائق الإلهية . ثم قال : فإذا تبين هذا ، فالإسلام له معنى يخصه ، وهو انقياد الظاهر بما تكلف به من وظائف الدين ، مع ما لا بد منه من التصديق . والإيمان له معنى يخصه ، وهو تصديق القلب بجميع ما تضمنه الدين من الأخبار الغيبية ، مع ما لا بد منه من شُعبه . والإحسان له معنى يخصه ، وهو تحسين جميع وظائف الدين الإسلامية والإيمانية ، بالإتيان بها على أكمل شروطها ، وأتم وظائفها ، خالصة من جميع شوائب عِللها ، سالمة من طوارق آفاتها . هـ . قلت : ولا يكفي في مقام الإحسان تحسين الوظائف فقط ، بل لا بد فيه من كشف حجاب الكائنات ، حتى يُفضي إلى شهود المكوِّن ، فيعبد الله على العيان . كما في الحديث : " أن تعبد الله كأنك تراه " فإذا تقرّر هذا فالآية مشتملة على تدريج السلوك فأول مقامات المريد : الإسلام ، ثم الإيمان ، كما في الآية ، ثم يكون من القانتين المداومين على الطاعة ، ثم يكون من الصادقين في أقواله ، وأفعاله ، وأحواله ، صادقاً في طلب مولاه ، غائباً عن كل ما سواه ، ثم من الصابرين على مجاهدة النفس ، ومقاساة الأحوال ، وقطع المقامات والمفاوز . وقال القشيري : من الصابرين على الخصال الحميدة وعن الخصال الذميمة ، وعند جريان مفاجآت القضية . هـ . ثم من الخاشعين الخاضعين لهيبة الجلال ، مشاهداً لكمال أنوار الجمال . قال القشيري : الخشوعُ : إطراق السريرة عند بوادِه الحقيقة . هـ . ثم يتحقق بأوصاف الكمال كالسخاء والكرم ، فيبذل ما عنده في مرضاة ربه ، فيكون من المتصدقين بأموالهم وأنفسهم ، حتى لا يكون لأحد معهم خصومة فيما أخذوا منهم وقالوا فيهم ، ثم يصوم عن شهود السِّوى ، ثم يحفظ فرجه عن وِقاع الشهوة والهوى ، فلا ينزل إلى سماء الحقوق ، أو أرض الحظوظ ، إلا بالإذن والتمكين ، والرسوخ في اليقين . ثم يكون من المُسْتَهتَرين بذكر الله ، أعني ذكر الروح والسر ، وهو مقام الإحسان ، الذي هو محل العيان ، فيكون ذاكراً بالله ، مذكوراً في حضرة الله ، مشهوراً في ملكوت الله . جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه . ثم ذكر قصة تزويجه عليه الصلاة والسلام زينب مناسبا للحافظين فروجهم فقال : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ … }