Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 32-34)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { يا نساء النبي لستُنَّ كأحدٍ من النساء } أي : لستن كجماعة من جماعات النساء ، أي : إذا تقصيت أمة النساء ، جماعةً جماعةً ، لم توجد منهن جماعة واحدة تُساويكن في الفضل ، فكما أنه عليه الصلاة والسلام ليس كأحد من الرجال ، كما قال : " إني لسْتُ كَأَحَدِكُمْ … " كذلك زوجاته التي شرُفن به . وأصل " أحد " : وَحَدٍ ، بمعنى : واحد ، فوضع في النفي العامّ ، مستوياً فيه المذكّر والمؤنّث ، والواحد وما وراءه ، أي : لستن في الشرف كأحد من النساء ، { إنِ اتقيْتنَّ } مخالفةَ الله ورضا رسوله ، { فلا تَخْضَعْنَ بالقولِ } أي : إذا كلمتن الرجال من وراء الحجاب ، فلا تجئنَ بقولكنّ خاضعاً ، أي : ليناً خنثاً مثل قول المُريبات ، { فيَطْمَع الذي في قلبه مرضٌ } ريبة ، وفجور ، وهو جواب النهي ، { وقُلْنَ قولاً معروفاً } حسناً مع كونه خشيناً . { وقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ } أي : استكِن فيه ، والْزَمن بيوتكن من غير خروج . وقرأ نافع وعاصم بالفتح ، وهو من : قرَر يَقْرَرُ ، لغة في قرّ بالمكان ، وأصله : اقرَرن ، فحذفت الراء ، تخفيفاً ، وألقيت فتحتها على ما قبلها . وقيل : من : قار يقار : إذا اجتمع . والباقون بالكسر ، من : قرّ بالمكان يقِرّ بالكسر ، وأصله : اِقْررْن ، فنقلت كسرة الراء إلى القاف ، وحذفت الراء . وقيل : من : وَقَر يَقِر وقاراً . { ولا تبرَّجْنَ تبرجَ الجاهليةِ الأُولى } أي : لا تتبخترن في المشي تبختر أهل الجاهلية ، فالتبرُّج : التبختر في المشي وإظهار الزينة ، أي : ولا تبرجن تبرجاً مثل { تبرج الجاهلية الأولى } أي : القديمة ، وهو الزمان الذي وُلد فيه إبراهيم عليه السلام ، فكانت المرأة تتخذ فيه الدرع من اللؤلؤ ، وتعرض نفسها على الرجال ، زمان نمرود الجبار ، والناس كلهم كفار . أو : ما بين آدم ونوح عليهما السلام ثمانمائة سنة . وكان نساؤهم أقبح ما يكون ، ورجالهم حِسَان ، فتريده المرأة على نفسها . أو : زمن داود وسليمان عليهما السلام ، وكان للمرأة قميص من الدرّ ، غير مخيط الجانبين ، فتظهر صورتها فيه . والجاهلية الأخرى : ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام أو : الجاهلية الأولى : جاهلية الكفر قبل الإسلام ، والجاهلية الأخرى : جاهلية الفسوق والفجور في الإسلام . { وأقِمْنَ الصلاةَ وآتينَ الزكاة } خصهما بالذكر تفضيلاً لهما لأن مَن واظب عليهما جرتاه إلى غيرهما . { وأَطِعْنَ اللهَ ورسولَه } في سائر ما أمرَكن به ، ونهاكن عنه . { إِنما يُريد اللهُ ليُذهبَ عنكم الرجسَ أهلَ البيت } أي : يا أهل البيت ، أو : أخص أهل البيت . وفيه دليل على أن نساءه من أهل بيته . قال البيضاوي : وتخصيص أهل البيت بفاطمة وعلي وابنيهما ، لِما رُوي أنه عليه الصلاة والسلام خرج ذات غدوة عليه مِرْطٌ مُرَحَّل من شعر أسود ، فجاءت فاطمة ، فأدخلها ، ثم جاء عليّ ، فأدخله فيه ، ثم جاء الحسن والحسين ، فأدخلهما فيه ، فقال : " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهلَ البيت … " والاحتجاج بذلك على عصمتهم ، وكون اجتماعهم حجة ، ضعيف لأن التخصيص بهم لا يناسب ما قبل الآية وما بعدها ، والحديث يقتضي أنهم من أهل البيت ، لا أنه ليس غيرهم . هـ . وإنما قال : { عنكم } لأنه أُريد الرجال والنساء . والرجس : كل ما يدنس ، من ذنب ، أو عيب ، أو غير ذلك ، وقيل : الشيطان . { ويُطهركم تطهيراً } من نجاسات الآثام والعيوب ، وهو كالتعليل لِمَا قبله ، فإنما أَمَرَهن ، ونهاهن ، ووعظهن لئلا يقارف أهل البيت ما يدنس ، من المآثم ، وليتصوّنوا عنها بالتقوى . واستعار للذنب الرجس ، وللتقوى الطُهر لأن عِرض المقترف للمستقبحات يتلوث بها كما يتلوث بدنه بالأرجاس وأما مَن تحصّن منها فعرضه مصون ، نقي كالثوب الطاهر . وفيه تنفير لأُولي الألباب عن كل ما يدنس القلوب من الأكدار ، وترغيب لهم في كل ما يطهر القلوب والأسرار ، من الطاعات والأذكار . { واذْكُرْنَ ما يُتلى في بيوتِكُنَّ من آياتِ الله } القرآن { والحكمةِ } السُنَّة ، أو : بيان معاني القرآن ، أو : ما يُتلى عليكن من الكتاب الجامع بين الأمرين . { إِن الله كان لطيفاً } عالماً بغوامض الأشياء ، { خبيراً } عالماً بحقائقها ، أو : هو عالم بأقوالكن وأفعالكن ، فاحذرن مخالفة أمره ونهيه ، ومعصية رسوله صلى الله عليه وسلم . الإِشارة : علَّق الحق تعالى شرف نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتفضيلهن على سبعة أمور ، ويقاس عليهن غيرهن من سائر النساء ، فمَن فعل هذه الأمور حاز شرف الدنيا والآخرة . الأول : تقوى الله في السر والعلانية ، وهي أساس الشرف . الثاني : التحصُّن مما يُوجب مَيْل الرجال إليهن من التخنُّث في الكلام وغيره . الثالث : لزوم البيوت والقرار بها . وقد مدح الله نساء الجنة بذلك فقال : { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ } [ الرحمن : 72 ] . الرابع : عدم التبرُّج ، وهو إظهار الزينة حيث يحضر الرجال . الخامس : إقامة الصلاة وإتقانها وإيتاء الصدقة . السادس : طاعة الله ورسوله ، ويدخل فيه طاعة الزوج . السابع : لزوم ذكر الله ، وتلاوة كتابه لمن تُحسن ذلك في بيتها . فمَن فعلت من النساء هذه الأمور أذهب الله عنها دنس المعاصي والعيوب ، وطهّرها تطهيراً ، وأبدلها بمحاسن الأخلاق والشيم الكريمة . والله تعالى أعلم . ولمَّا نزل في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما نزل ، قال نساء المؤمنين ما نزل فينا فأنزل الله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ … }