Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 45-48)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : " شاهداً " : حال مقدرة ، كمررت برجل معه صقر صائداً به غداً . يقول الحق جلّ جلاله : { يا أيها النبيُّ إِنَّا أرسلناك شاهداً } على مَن بُعثتَ إليهم ، على تصديقهم وتكذيبهم ، أي : مقبولاً قولك عند الله ، لهم وعليهم ، كما يُقبل قول الشاهد العدل في الحكْم ، { ومبشراً } للمؤمنين بالنعيم المقيم ، { ونذيراً } للكافرين بالعذاب الأليم ، { وداعياً إِلى الله } إلى الإقرار بربوبيته ، وتوحيده ، وما يجب الإيمان به ، من صفاته ، ووعده ، ووعيده ، { بإِذْنِهِ } بأمره ، أو : بتيسيره . وقيّد به الدعوى إيذاناً بأنه أمر صعب ، لا يتأتى إلا بمعونةٍ من جناب قدسه ، { وسِراجاً منيراً } يُستضاء به في ظلمة الجهالة ، وتُقتبس من نوره أنوار الهداية ، قد جلى به الله ظلمات الشرك ، واهتدى به الضالون ، كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير ، ويهتدى به . وقيل : المراد به القرآن ، فيكون التقدير : وذا سراج . ووُصف بالإنارة لأن من السُرج مَن لا يضيء جدًّا إذا قلّ سَلِيطُه ، أي : زيته ورقَّت فتيلته . أو : شاهداً بوحدانيتنا ، ومبشراً برحمتنا ، ونذيراً بنقمتنا ، وداعياً إلى عبادتنا ، وسراجاً تُنير الطريقَ إلى حضرتنا . { وَبَشِّرِ المؤمنينَ بأن لهم من اللهِ فضلاً كبيراً } ثواباً عظيماً ، يربو على ثواب سائر الأمم . وفي الحديث : " مثَلُكمْ ومَثَلُ اليهود والنصارى كمَن استأجر عُمالاً إلى آخر اليوم ، فعَمِلَتِ اليهودُ إلى الظهر ، ثم عجزوا ، ثم عملت النصارى إلى العصر ، فعجزوا ، ثم عملتم إلى آخر النهار ، فاستحققتم أجر الفريقين ، فغضبت اليهود والنصارى ، وقالوا : نحن أكثر عملاً ، وأقلّ أجراً ، فقال لهم الله تعالى : هل ظلمتكم من حقكم شيئاً ؟ قالوا : لا ، قال : فذلك فضلي أُوتيه مَن أشاء " وفي رواية : " أنهم عملوا إلى الظهر ، أو العصر . وقالوا : لا حاجة لنا بأجرك ، فبطل أجر الفريقين " وهذا في حق مَن أدرك الإسلام منهم ولم يؤمن . والحديث في الصحيح . نقلته بالمعنى . قال البيضاوي : ولعله معطوف على محذوف ، أي : فراقب أمتك وبشِّرهم . هـ . { ولا تُطع الكافرين والمنافقين } أي : دُم على مخالفتهم ، وهو تهييج وتنفير عن حالهم ، { ودَعْ أذاهم } أي : لا تلتفت إليه ، ولا تحتفل بشأنه . وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل ، أي : اجعل إيذائهم إياك في جانب ، وأنت في جانب ، ولا تُبال بهم ، ولا تخفْ من إيذائهم . أو : إلى المفعول ، أي : دع إيذاءك إياهم مجازاةً ومؤاخذة على كفرهم . ولذلك قيل : إنه منسوخ . { وتوكلْ على اللهِ } فإنه يكفيكهم ، { وكفى بالله وكيلاً } موكولاً عليه ، ومفوضاً إليه الأمر في الأحوال كلها ، ولعله تعالى لَمّا وصفه بخمسة أوصاف ، قابل كُلاًّ منها بخطاب مناسب له ، فقابل الشاهد بقوله : { وبُشِّر المؤمنين } لأنه يكون شاهداً عل أمته ، وهم يكونون شهداء على سائر الأمم ، وهو الفضل الكبير ، وقابل المبشِّر بالإعراض عن الكافرين والمنافقين لأنه إذا أعرض عنهم أقبل بكليته على المؤمنين ، وهو مناسب للبشارة ، وقابل النذير بدَعْ أذاهم لأنه إذا ترك أذاهم في العاجل ، والأذى له ، لا بد له من عقاب عاجل أو آجل ، كانوا منذرين به في المستقبل . وقابل الداعي إلى الله بأمره بالتوكل عليه لأن مَن توكل على الله يسَّر عليه كل عسير ، فتسهل الدعوة ، ويتيسر أمرها ، وقابل السراج المنير بالاكتفاء به وكيلاً لأن مَن أناره الله وجعله بُرهاناً على جميع خلقه كان حقيقاً بأن يَكتفي به عن جميع خلقه . والله تعالى أعلم . الإشارة : قال الورتجبي : إنا أرسلناك بالحقيقة شاهداً ، أنت شاهِدُنا ، شاهدناك وشهدت علينا ، فألبستك أنوار ربوبيتي ، فمَن شهدك بالحقيقة فقد شَهِدنَا . قُلتُ : لأن نوره صلى الله عليه وسلم أول نور ظهر من نور الحق ، فمَن شَهِدَه شَهِدَ الحق . ثم قال : ومَن نظر إليك فقد نظر إلينا . قال صلى الله عليه وسلم : " فقد عرف الحق ، ومَن رآني فقد رأى الحق " ثم قال : { وسراجاً منيراً } أسرجت نورك من نوري ، فتُنور بنوري عيون عبادي المؤمنين ، فيأتون إليّ بنورك . ثم أمره بأن يُبشر المؤمنين بأنهم يصلون إلى مشاهدته ، بلا حجاب ولا عتاب . هـ . قال القشيري : يا أيها المُشَرَّفُ مِنْ قِبَلِنا إنّا أرسلناك شاهداً بوحدانيتنا ، ومبشراً ، تُبشر عبادنا بنا ، وتحذِّرُهم مخالفة أَمْرِنا ، وتُعلمهم مواضع الخوف منا ، وداعياً الخلق إلينا بنا ، وسراجاً منيراً يستضيئون بك ، وشمساً ينبسط شعاعك على جميع من صَدَّقَك وآمَنَ بك ، ولا يصل إلينا إلا مَن اتَّبعكَ وخَدَمَك وقَدَّمك ، { وبَشِّر المؤمنين } بفضلنا عليهم ، ونَيْلِهم طَوْلَنا عليهم ، وإحساننا إليهم . ومَن لم تُؤثِر فيهم بركة إيمانهم بك فلا قَدْرَ لهم عندنا . ولا تُطع مَن أعرضنا عنه وأضللناه ، من أهل الكفر والنفاق ، وأهل البدع والشقاق ، وتوكل على الله بدوام الانقطاع إليه ، وكفى بالله وكيلاً . هـ . ثم ذكر حكم المطلقة بعد الدخول وأنه لا عدة عليها مناسب لقوله { فلما قضي زيد … } إلخ فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ … }