Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 60-62)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { لنُغرينك } : جواب القسم المغني عن جواب الشرط . و { ثم لا يُجاورنك } : عطف عليه لأنه يصح أن يُجاب به القسم لصحة قولك : لئن لم ينتهوا لا يُجاورنك ، ولَمَّا كان الجلاء عن الوطن أعظم من جميع ما أُصيبوا به عطف بثم ، لبُعد حاله عن حال المعطوف عليه . و { ملعونين } : نصب على الشتم أو الحال ، والاستثناء دخل على الظرف والحال معاً ، أي : لا يُجاورنك إلا قليلاً في اللعنة والبُعد ، ولا يصح نصبه بأُخذوا لأن ما بعد حرف الشرط لا يعمل فيما قبله . يقول الحق جلّ جلاله : { لئن لم ينته المنافقون } عن نفاقهم وإيذائهم ، { والذين في قلوبهم مرض } فجور ، وهم الزناة من قوله : " فيطمع الذي في قلبه مرض " . { والمُرجِفُون في المدينةِ } وهم أُناس كانوا يُرجفون بأخبار السوء في المدينة ، من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولون : هُزموا وقُتلوا ، وجرى عليهم كيت وكيت ، فيكسرون بذلك قلوبَ المؤمنين . يقال : رجف بكذا : إذا أخبر به على غير حقيقته لكونه خبراً مزلزلاً غير ثابت ، من : الرجفة ، وهي الزلزلة ، { لَنُغرينَّك بهم } لنأمرنك بقتالهم وإجلائهم ، أو ما يضطرهم إلى طلب الجلاء ، أو : لنُسلطنك عليهم ، { ثم لا يُجاورونك فيها } في المدينة { إِلا } زمناً { قليلاً } . والمعنى : لئن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدهم ، والفسقة عن فجورهم ، والمرجفون عما يُلقون من أخبار السوء ، لنأمرنك بأن تفعل بهم الأفاعيل التي تسوؤهم ، بأن تضطرهم إلى طلب الجلاء من المدينة ، وألاّ يُساكنوك فيها إلاّ زمناً قليلاً ، ريثما يرتحلون . فسمّي ذلك إغراء ، وهو التحريشُ ، على سبيل المجاز . حال كونهم { ملعونين } أي : لا يجاورونك إلا ملعونين ، مُبعدين عن الرحمة { أَينما ثُقِفُوا } وُجدوا { أُخذوا وقُتِّلوا تقتيلاً } والتشديد للتكثير . { سُنَّةَ اللهِ } أي : سَنَّ اللهُ ذلك سُنَّة { في الذين خَلَوا من قبلُ } في المنافقين الذين كانوا يُنافقون الأنبياء من قبل ، ويسعون في وهنهم بالإرجاف ونحوه أن يقتّلوا أينما وُجدوا ، { ولن تجد لسُنَّة الله تبديلاً } أي : لا يُبدل الله سُنَّته ولا يقدر أحد أن يبدلها ، بل يُجريها مجرىً واحداً في الأمم كلهم . قال ابن جزي : تضمنت الآية وعيد هؤلاء الأصناف إن لم ينتهوا ، ولم ينفُذ الوعيد فيهم . ففي ذلك دليل على بطلان القول بوجوب إنفاذ الوعيد في الآخرة . وقيل : إنهم انتهوا وستروا أمرهم فكفّ عنهم إنفاذ الوعيد . هـ . الإشارة : منافقو الصوفية هم الذين ينتسبون إلى الصوفية ، ويدّعون محبة القوم ، وهم يعترضون على الفقراء ، ويرفعون الميزان عليهم ، وهم الذين في قلوبهم مرض ، أي : حيرة وضيق من غم الحجاب إذ لو ارتفع عنهم الحجاب لم يعترضوا على أحد ، وهم المرجفون بأهل النسبة ، إذ سمعوا شيئاً يسوؤهم أفشوه ، وأظهروا الفرح . لئن لم ينتهوا عن ذلك ليُسلطن الله عليهم مَن يُخرجهم من النسبة بالكلية ، ثم لا يبقون فيها إلا قليلاً ، ممقوتين عند أهل التحقيق ، أينما وُجدوا ، أُخذوا بالفعل أو بالقول فيهم . وقد ألَّف بعض الفقهاء تأليفاً في الرد على الفقراء ، فسلّط الله عليه من أهانه ، ووَسمَه بالبلادة والجمود ، ولا زال مُهاناً أينما ذُكر ، والعياذ بالله . ولمَّا ذكر حال المنافقين ذكر حال المشركين لاشتراكهم في الكفر فقال : { يَسْأَلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ … }