Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 63-68)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { يسألُكَ الناسُ عن الساعةِ } كان المشركون يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة ، استعجالاً واستهزاءً ، واليهود يسألون امتحاناً لأن الله تعالى أخْفى وقتها في التوراة وفي كل كتاب ، فأمر رسولَه صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم بأنه علم قد استأثر الله به ، ثم بيّن لرسوله عليه الصلاة والسلام أنها قريبة الوقوع ، تهديداً للمستعجلين ، وإسكاتاً للممْتحنين فقال : { قُلْ إِنما عِلْمُها عند الله } لم يُطلع عليها ملكاً ولا نبيًّا . { وما يُدريكَ لعل الساعة تكونُ قريباً } أي : شيئاً قريباً ، أو : في زمان قريب ، فتنصب على الظرفية ، ويجوز أن يكون التذكير لأن الساعة في معنى اليوم أو الزمان . { إِنَّ الله لعنَ الكافرين } أبعدهم عن رحمته ، { وأعدَّ لهم سعيراً } ناراً شديدة التسعير ، أي : الإيقاد ، { خالدين فيها أبداً } وهذا يرد مذهبَ الجهمية في زعمهم أن النار تفنى ، و { خالدين } : حال مقدرة من ضمير " لهم " . { لا يجدون وليًّا } يحفظهم ، { ولا نصيراً } يمنعهم ويدفع العذاب عنهم ، وذلك { يومَ تُقَلَّبُ } أو : واذكر { يومَ تُقَلَّبُ وجوهُهُم في النار } تطوف من جهة إلى جهة ، كما ترى البضعة من اللحم تدُور في القِدْرِ إذا غلت . وخصّت الوجوه لأنها أكرم موضع على الإنسان من جسده . أو : يكون الوجه كناية عن الجملة . حال كونهم { يقولون يا ليتنا أطعنا اللهَ وأطعنا الرسولا } في الدنيا ، فنتخلص من هذا العذاب ، فندّموا حيث لم ينفع الندم . { وقالوا ربنا إِنا أطعنا سادتَنا وكبراءَنا } والمراد : رؤساء الكُفر ، الذين لقنوهم الكفر ، وزيّنوه لهم . وقرأ ابن عامر ويعقوب " ساداتنا " بالجمع ، جمع : سادة ، وسادة : جمع سيد ، فهو جمع الجمع ، { فأضلونا السبيلا } أي : أتلفونا عن طريق الرشد . يقال : ضلّ السبيلَ وأضلّه إياه ، وزيادة الألف للإطلاق . { ربّنا آتهم ضِعفين من العذاب } أي : مثلي ما آتيتنا منه للضلال والإضلال ، { والعنْهُم لعناً كثيراً } كثير العدد ، تكثيراً لأعداد اللاعنين ، أو : العنهم المرة بعد المرة . وقرأ عاصم بالباء ، أي : لعناً هو أشد اللعن وأعظمه . وهو يدلّ على تعدُّد الأجزاء والأفراد . الإشارة : مذهب العباد والزهّاد والصالحين : جعل الساعة نُصب أعينهم ، لا يغيبون عنها ، فهم يجتهدون في التأهُّب لها ليلاً ونهاراً . ومذهب العارفين الموحّدين : الغيبة عنها ، بالاستغراق في شهود الحق ، فلا يشغلهم الحق ، دنيا ولا آخرة ، ولا جنة ولا نار لما دخلوا جنة المعارف ، غابوا عن كل شيء ، فانخلعوا عن الكونين بشهود المكوِّن ، وجعلوا الوجود وجوداً واحداً إذ المتجلي هنا وثَم واحد . وإذا كان كُبراء الضلال يُضاعَف عذابهم ، وكان كبراء الهداية يُضاعف ثوابهم ، يأخذون ثواب الاهتداء والإرشاد ، فمَن دلّ على هُدىً كان له أجره وأجر مَن اتبعه إلى يوم القيامة ، ومَن اهتدى على يديه أحد جرى عليه أجره ، وكان في ميزانه كل مَن تبعه كذلك ، وفي ذلك يقول القائل : @ والمرْءُ في مِيزانه اتباعُهُ فاقْدِرْ إذنْ قدر النبي مُحَمد @@ ثم رجع عن النهي إلى النهي عن إذاية الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ … } .