Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 20-21)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { وقد صدق عليهم إبليسُ ظَنَّه } الضمير في " عليهم " لكفار سبأ وغيرهم . وكأن إبليسَ أضمر في نفسه حين أقسم : { لأَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص : 82 ] أنه يسلط عليهم ، وظن أنه يتمكن منهم ، فلما أغواهم وكفروا صدق ظنه فيهم . فمَن قرأ بالتخفيف فـ " ظنه " : ظرف ، أي : صَدق في ظنه . ومَن قرأ بالتشديد فظنه مفعول به ، أي : وجد ظنه صادقاً عليهم حين كفروا { فاتَّبَعوه } أي : أهل سبأ ومَن دان دينهم ، { إِلا فريقاً من المؤمنين } قللهم بالإضافة إلى الكفار ، قال تعالى : { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [ الأعراف : 17 ] وفي الحديث : " ما أنتم في أهل الشرك إلا كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود " . { وما كان له عليهم من سلطانٍ } أي : ما كان لإبليس على مَن صدق ظنه عليهم من تسلُّط واستيلاء بالوسوسة ، { إِلا لِنَعْلَم } موجوداً ما علمناه معدوماً { من يؤمنُ بالآخرةِ ممن هو منها في شكٍّ } أي : إِلا ليتعلق علمنا بذلك تعلُّقاً تنجيزيًّا ، يترتب عليه الجزاء ، أو : ليتميز المؤمن من الشاك ، أو : ليؤمن مَن قُدّر إيمانُه ، ويشك من قُدر ضلالُه . { وربك على كل شيءٍ حفيظٌ } محافظ رقيب ، وفعيل ومفاعل أخوان . الإشارة : كل مَن لم يصل إلى حضرة العيان صدق عليه بعض ظن الشيطان لأنه لما رأى بشرية آدم مجوفة ، ظن أنه يجري معه مجرى الدم ، فكل مَن لم يسد مجاريه بذكر الله ، حتى يستولي الذكر على بشريته ، فيصير قطعة من نور ، فلا بد أن يدخل معه بعض وساوسه ، ولا يزال يتسلّط على قلب ابن آدم ، حتى يدخل حضرة القدس ، فحينئذ يحرس منه ، لقوله تعالى : { إِنَّ عَبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } [ الحجر : 42 ] . وعباده الحقيقيون هم الذين تحرّروا مما سواه ، فلم يبقَ لهم في هذا العالم علقة ، وهم المرادون بقوله تعالى : { إِلا فريقاً من المؤمنين } وما سلَّطه عليهم إلا ليتميز الخواص من العوام ، فلولا ميادين النفوس ، ومجاهدة إبليس ، ما تحقق سير السائرين ، أي : وما كان له عليهم من تسلُّط إلا لنعلم علم ظهور مَن يؤمن بالخصلة الآخرة ، وهي الشهود ، ممن هو منها في شك ، { وربك على كل شيء حفيظ } يحفظ قلوب أوليائه من استيلاء غيره عليها . وبالله التوفيق . ولمَّا كان تسلط إبليس جُلَّة من الشرك الذي زينه لهم ردّه بقوله : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ … }