Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 22-23)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : حذف مفعولي زعم ، أي : زعمتموهم آلهة تعبدونهم من دون الله ، بدلالة السياق عليهما . يقول الحق جلّ جلاله : { قُلْ } لهم { ادعوا الذين زعمتم من دون الله } أي : زعمتموهم آلهة ، فعبدتموهم من دون الله ، من الأصنام والملائكة ، وسميتموهم باسْمِهِ ، فالتجئوا إليهم فيما يعروكم ، كما تلتجئون إليه في اقتحام الشدائد الكبرى . وانتظروا استجابتهم لدعائكم كما تنتظرون استجابته . وهذا تعجيز وإقامة حجة على بطلان عبادتها . ويُروى أنها نزلت عند الجوع الذي أصاب قريشاً . ثم ذكر عجزهم فقال : { لا يملكون مثقال ذرةٍ } من خير أو شر ، ونفع أو ضر { في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شِرْكٍ } أي : وما لهم في هذين العالَمين العلوي والسفلي ، من شرك في الخلق ، ولا في المُلك ، { وما له } تعالى { منهم } من آلهتهم { من ظهيرٍ } معين يعينه على تدبير خلقه . يريد أنه على هذه الصفة من العجز ، فكيف يصحُّ أن يُدْعَوا كما يدعى تعالى ، أو يُرْجَوا كما يُرجى سبحانه ؟ ثم أبطل قولهم : { هَؤُلآَءِ شُفَعَآؤُنَا عِندَ اللهِ } [ يونس : 18 ] بقوله : { ولا تنفعُ الشفاعةُ عنده إِلا لمن أَذِنَ له } تعالى في الشفاعة ، ممن له جاه عنده ، كالأنبياء ، والملائكة ، والأولياء ، والعلماء الأتقياء ، وغيرهم ممن له مزية عند الله . وقرأ أبو عمرو والأخوان بالبناء للمفعول ، أي : إلا مَن وقع الإذن للشفيع لأجله . ثم ردّ على مَن زعم من الكفار أن الملائكة تشفع ، قطعاً لمكانها من الله ، فقال : { حتى إِذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق } فحتى : غاية لمحذوف ، أي : وكيف تشفع قبل الإذن ، وهي في غاية الخوف والهيبة من الله ، إذا سمعوا الوحي صعقوا ، { حتى إِذا فُزِّع عن قلوبهم } أي : كشف الفزع عن قلوبهم { قالوا ماذا قال ربكم } من الوحي ؟ { قالوا الحقَّ } فمَن كان هذا وصفه لا يجترىء على الشفعاعة إلا بإذن خاص . قال الكواشي : إنه يفزع عن قلوبهم حين سمعوا كلام الله لجبريل بالوحي ، قال صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر لأهل السماء أخذت السماوات منه رَجْفةٌ أو قال : رَعْدَةٌ شديدةٌ خوفاً من ذلك ، فإذا سمع أهل السماوات صَعِقُوا ، وخَرُّوا سُجداً ، فيكون أول مَن يرفع رأسه جبريل ، فيُكلمه من وَحْيِه بما أراد ، ثم يَمُرُّ على سماءٍ سماء ، إلى أن ينزل بالوحي ، فإذا مَرَّ على الملائكة سألوه ، ثم قالوا : ماذا قال ربكم ؟ فيقول جبريل : قال الحقَّ " نصب المفعول بقالوا ، وجمع الضمير تعظيماً لله تعالى . ثم قال : وفي الحديث : " إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة ، كجر السلسلة على الصفا ، فيصعقون ، حتى يأتيهم جبريل ، فيفزع عن قلوبهم أي : يكشف ويخبرهم الخبر " ثم قال : وقيل المعنى : أنه لا يشفع أحد إلا بعد الإذن ، ولا يشعر به إلا المقربون لِما غشي عليهم من هول ذلك اليوم ، فإذا ذهب الفزع عن قلوبهم ، قالوا : ماذا قال ربكم في الشفاعة ؟ قالوا الحق ، أي : أذن فيها . هـ . ومثل هذا لابن عطية ، وتبعه ابن جزي ، قال : الضمير في " قلوبهم " ، وفي " قالوا " للملائكة . فإن قيل : كيف ذلك ، ولم يتقدم لهم ذكر ؟ فالجواب : أنه قد وقعت إليهم إشارة بقوله : { وَلا تنفع الشفاعة عنده إلا لمَن أذن له } لأن بعض العرب كانوا يعبدون الملائكة ، ويقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، فذكر الشفاعة يقتضي ذكر الشافعين ، فعاد الضمير على الشفعاء ، الذين دلَّ عليهم ذكر الشفاعة . هـ . وقرأ يعقوب وابن عامر " فَزع " بفتح الفاء بالبناء للفاعل . والتضعيف للسلب والإزالة ، أي : سلب الفزع وأزاله عن قلوبهم ، مِثل قردت البعير : إذا أزلت قراده ، ومَن بناه للمفعول فالجار نائب . { وهو العليُّ الكبيرُ } أي : المتعالي عن سمة الحدوث ، وإدراك العقول ، الكبير الشأن ، فلا يقدر أحد على شفاعة بلا إذنه . الإشارة : كل مَن آثر شيئاً أو أحبّه سوى الله ، أو خافه ، يقال له : ادعوا الذين زعمتم أنهم ينفعونكم أو يضرونكم ، من دون الله ، { لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض … } الآية . وأما محبة الأنبياء والأولياء والعلماء الأتقياء فهي محبة الله ، لأنهم يُوصلون إليه ، فلم يحبهم أحد إلا لأجل الله ، فتنفع شفاعتهم بإذن الله . وقوله : { حتى إذا فُزع عن قلوبهم … } الخ ، قال الورتجبي : وصف سبحانه أهل الوجد ، من الملائكة المقربين ، وذلك من صولة الخطاب ، فإذا سمعوا كلام الحق ، من نفس العظمة ، وقعوا في بحار هيبته وإجلاله ، حتى فنوا تحت سلطان كبريائه ، ولم يعرفوا معنى الخطاب في أول وارد السلطنة . فإذا فاقوا سألوا معنى الخطاب من جبريل عليه السلام ، فهو من أهل الصحو والتمكين في المعرفة . هـ . ثم تتم قوله : { لا يملكون مثقالَ ذرةٍ } أي : لا من رزق ولا غيره ، فقال : { قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَاوَاتِ … }