Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 39-39)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { قل إِن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له } إنما كرره تزهيداً في المال ، وحضًّا على إنفاقه في سبيل الله . ولذلك عقبه بقوله : { وما أنفقتم من شيءٍ فهو يُخلفه } إما عاجلاً في الدنيا إذا شاء ، أو آجلاً في الآخرة ، ما لم يكن إسرافاً ، كنزهة لهو ، أو في بنيان ، أو معصية . وذكر الكواشي هنا أحاديث منها : " كُلُّ معروفٍ صدقةً ، وكل ما أنفق الرجلُ على نفسِه وأهلِه صدقةٌ ، وما وَقَى به الرجلُ عِرْضَهُ كُتِبت له بها صدقةً وهو ما أعطى لشاعر ، أو لذي اللسان المتَّقَى وما أنفق المؤمنُ صدقة فعلى الله خلفها ضامناً ، إلا ما كان من نفقةٍ في بُنيانٍ أو معصيةٍ " قلتُ : يُقيد النفقة في البنيان بما زاد على الحاجة والضرورة ، وإلا فهو مأمور به ، فيؤجر عليه . والله تعالى أعلم . { وهو خيرُ الرازقين } المطعمين لأن كل مَن رزق غيره من سلطان ، أو سيّد ، أو زوج ، أو غيره ، فهو من رزق الله ، أجراه على يد هؤلاء ، وهو خالقُ الرزق ، والأسباب التي بها ينتفع المرزوق بالرزق . وعن بعضهم قال : الحمد لله الذي أوجده ، وجعلني ممن يشتهي ، فكم من مشتَهٍ لا يجد ، وواجد لا يشتهي ! . الإشارة : في الآية إشارة إلى منقبة السخاء ، وإطلاق اليد بالعطاء ، وهو من علامة اليقين ، وخروج الدنيا من القلب . وذكر الترمذي الحكيم حديثاً طويلاً عن الزبير رضي الله عنه رأيت أن أذكره لكثرة فوائده مع مناسبته لهذا المعنى . قال : جئتُ حتى جلستُ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بطرف عمامتي من ورائي ، ثم قال : " يا زبير إني رسول الله إليك خاصة ، وإلى الناس عامة . أتدرون ما قال ربكم ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : قال ربكم حين استوى على عرشه ونظر إلى خلقه : عبادي أنتم خلقي وأنا ربكم ، أرزاقكم بيدي ، فلا تتعبوا فيما تكفلتُ لكم به ، فاطلبوا مني أرزاقكم ، وإليّ فارفعوا حوائجكم ، انصُبُوا إليَّ أنفسَكم أصُبُّ عليكم أرزاقكم . أتدرون ما قال ربكم ؟ قال الله تبارك وتعالى : يا ابن آدم أَنفق أُنفق عليك ، وأوسع أُوسع عليك ، ولا تضيق فأضيق عليك ، ولا تَصُرّ فأصر عليك ، ولا تخزُنُ فأخزنُ عليك ، إن باب الرزق مفتوح من فوق سبع سماوات ، متواصل إلى العرش ، لا يغلق ليلاً ولا نهاراً ، ينزل الله منه الرزق ، على كل امرىء بقدر نيته ، وعطيته ، وصدقته ، ونفقته ، مَنْ أكثر أكثر عليه ، ومَنْ أقل أقل عليه ، ومَنْ أمسك أمسك عليه . يا زبير فكُل وأَطعم ، ولا تُوك فيُوك عليك ، ولا تحْصِ فيُحصَ عليك ، ولا تقترّ فيقترْ عليك ، ولا تعسر فيعسرْ عليك . يا زبير ، إن الله يحب الإنفاق ، ويبغض الإقتار ، وإن السخاء من اليقين ، والبخل من الشك ، فلا يدخل النار مَن أيقن ، ولا يدخل الجنة مَن شك . يا زبير إن الله يُحب السخاوة ، ولو بفلق تمرة ، والشجاعة ، ولو بقتل عقرب أو حية . يا زبير إن الله يُحب الصبر عند زلزلة الزلازل ، واليقين النفاذ عند مجيء الشهوات ، والعقل الكامل عند نزول الشبهات . والورع الصادق عند الحرام والخبيثات . يا زبير عظِّم الإخوان ، وأجلّ الأبرار ، ووقر الأخيار ، وصل الجار ، ولا تماشِ الفجار ، تدخل الجنة بلا حساب ولا عقاب ، هذه وصية الله إليّ ، ووصيتي إليك " . ثم ذكر توبيخه على الشرك فقال : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ … } .