Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 3-5)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { ولا أصغر } و { لا أكبر } : عطف على { مِثْقال } ، أو : مبتدأ ، وخبره : ما بعد الاستثناء . و { ليجزي } : متعلق بقوله : { لَتَأتينكم } ، وتجويز ابن جزي تعلقه بيعزب بعيد لأن الإحاطة بعلمه تعالى ذاتية ، والذاتي لا يُعلل ، وإنما تعلل الأفعال لجوازها ، ويصح تعلقه بما تعلق به { في كتاب } أي : أحصى في كتاب مبين للجزاء . يقول الحق جلّ جلاله : { وقال الذين كفروا } أي : منكرو البعث . والناطق بهذه المقالة أبو سفيان بن حرب ، ووافق عليها غيره ، وقد أسلم هو . قالوا : { لا تأتينَا الساعةُ } وإنما هي أرحام تدفع ، وأرض تبلع . قبَّح الله رأيهم ، وأخلى الأرض منهم . { قلْ } لهم : { بلى } أبطل مقالتهم الفاسدة ببلى ، التي للإضراب ، وأوجب ما بعدها ، أي : ليس الأمر إلا إتيانها ، ثم أعيد إيجابه ، مؤكداً بما هو الغاية في التوكيد والتشديد ، وهو التوكيد باليمين بالله عزّ وجل ، فقال : { وربي لَتأتينَّكم } . ولمَّا كان قيام الساعة من الغيوب المستقبلية الحقية أتبعه بقوله : { عالم الغيبِ } ، وقرأ حمزة والكسائي : " علاّم الغيب " ، بالمبالغة ، يعلم ما غاب في عالم ملكه وملكوته ، { لا يَعْزُبُ عنه } : لا يغيب عن علمه { مثقالُ ذرة } : مقدار أصغر نملة { في السماواتِ ولا في الأرض ، ولا أصغرُ من ذلك } أي : من مثقال ذرة { ولا أكبرُ إِلا في كتاب مبين } في اللوح المحفوظ ، أو في علمه القديم ، وكنَّى عنه بالكتاب لأن الكتاب يحصي ما فيه . قال الغزالي ، في عقيدة أهل السنة : وأنه تعالى عالم بجميع المعلومات ، محيط بما يجري من تخوم الأرض إلى أعلى السماوات ، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، يعلم دبيب النملة السوداء ، على الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء ، ويُدرك حركة الذر في جو السماء ، ويعلم السر وأخفى ، ويطّلع على هواجس الضمائر ، وحركات الخواطر ، وخفيات السرائر ، بعلم قديم أزلي ، لم يزل موصوفاً به في أزل الأزل . هـ . ثم علل إتيان الساعة بقوله : { ليجزيَ الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، أولئك لهم مغفرةٌ } لِما اقترفوا من العصيان ، وما قصروا فيه من مدارج الإيمان ، { ورِزق كريم } لِمَا صبروا عليه من مناهج الإحسان . { والذين سَعَوْا في آياتنا مُعَاجِزين } بالإبطال وتعويق الناس عنها ، { أولئك لهم عذابٌ من رِجْزٍ أليم } أي : لهم عذاب من أقبح العذاب مؤلم . ورفع " أليم " مكي وحفص ويعقوب ، نعت لعذاب ، وغيرهم بالجر نعت لرجز . قال قتادة : الرجز : سُوء العذاب . الإشارة : بقدر ما يربو الإيمان في القلب يعظم الإيمان بالبعث وما بعده ، حتى يكون نُصب عين المؤمن ، لا يغيب عنه ساعة ، فإذا دخل مقام العيان ، استغرق في شهود الذات ، فغاب عن الدارين ، ولم يبقَ له إلا وجود واحد ، يتلون بهيئة الدنيا والآخرة . وفي الحقيقة ما ثَمَّ إلا واحد أحد ، الأكوان ثابتة بإثباته ، ممحوة بأحدية ذاته . كان الله ولا شيء معه ، وهو الآن كما كان ، ويكون في المآل كما هو الآن . والله تعالى أعلم . ثم ذكر ضدهم فقال : { وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ … }