Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 43-45)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { وإِذا تُتلى عليهم آياتنا } أي : إذا قُرئت عليهم آيات القرآن ، { بيناتٍ } واضحات ، { قالوا } أي : المشركون { ما هذا } ؟ يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم { إِلا رَجُل يُريد أن يَصُدَّكُم } : يصرفكم { عما كان يعبد آباؤُكم } من الأصنام . { وقالوا ما هذا } أي : القرآن { إِلا إِفْكٌ } : كذب { مُّفترىً } بإضافته إلى الله تعالى . { وقال الذين كفروا } أي : وقالوا . والعدول عنه دليلٌ على إنكار عظيم ، وغضب شديد ، حيث سجّل عليهم بالكفر والجحد ، { للحقِّ لَمَّا جاءهم } أي : للقرآن ، أو لأمر النبوة كله ، لما عجزوا عن معارضته ، قالوا : { إِن هذا إِلا سحر مبين } أي : ما هذا إلا سحر ظاهر سِحريتُه . وإنكارهم أولاً باعتبار معناه ، وثانياً باعتبار لفظه وإعجازه ، ولذلك سمُّوه سحراً . قال تعالى : { وما آتيناهم من كُتُبٍ يَدْرُسُونها } أي : ما أعطينا مشركي مكة كُتباً يدرسونها ، فيها برهان على صحة الشكر . { وما أرسلنا إِليهم قبلك من نذيرٍ } أي : ولا أرسلنا إليهم نذيراً يُنذرهم بالعقاب إن لم يشركوا ، ويدعوهم إليه ، إذ لا وجه له ، فمن أين وقع لهم هذه الشبهة ؟ وهذا في غاية التجهيل لهم ، والتسفيه لرأيهم . ثم هدّدهم بقوله : { وكذّب الذين من قبلهم } أي : وكذّب الذين تقدّموا من الأمم الماضية ، والقرون الخالية ، الرسل ، كما كذّب هؤلاء . { وما بَلَغُوا مِعْشَارَ ما آتيناهم } أي : وما بلغ أهل مكة عُشر ما أُوتي الأولون ، من طول الأعمار ، وقوة الأجرام ، وكثرة الأموال والأولاد ، وتوالي النعم ، والظهور في البلاد . والمِعشار : مِفعال ، من : العشر ، ولم يأتِ هذا البناء إلا في العشرة والأربعة . قالوا : معشار ومرباع . وقال في القوت : المعشار : عشر العشر . { فكذَّبوا رسلي } أي : فكذبت تلك الأمم رسلي ، { فكيف كان نكيرِ } أي : فانظر كيف كان إنكاري عليهم بالهلاك والتدمير . فالنكير : مصدر ، كالإنكار معنى ، وكالنذير وزناً . و كيف للتعظيم ، لا لمجرد الاستفهام ، أي : فحين كذبوا رسلي جاءهم إنكاري بالتدمير والاستئصال ، ولم تغن عنهم تلك الأموال والأولاد ، وما كانوا مستظهرين به من الرئاسة والجاه ، فليحذر هؤلاء أن يحل بهم مثل ما حل بأولئك لمشاركتهم لهم في الكفر والعدوان . الإشارة : تكذيب الصادقين سُنَّة ماضية ، وكل مَن ظهر بخصوصية يجذب الناس إلى الله ، ويخرجهم من عوائدهم ، قالوا : ما هذا إلا سحر مفترى ، وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ، فحين كذَّبوا أولياء زمانهم حُرموا بركتهم ، فبقوا في عذاب الحرص والتعب ، والهلع والنصب . قال القشيري : إن الحكماء والأولياء الذين هم الأئمة في هذه الطريقة إذا دَلوا الناسَ على الله ، قال إخوانهم من إخوان السوء وربما كان من الأقارب وأبناء الدنيا : مَن ذا الذي يطيق هذا ؟ ولا بُد من الدنيا ما دمت تعيش ! … وأمثال هذا كثير ، حتى يميل ذلك المسكين من قِبل النصح ، فيهلك ويضل . هـ . باختصار . وقال في قوله تعالى : { وما آتيناهم من كُتُب يدرسونها … } ما حاصله : إن أرباب القلوب إذا تكلموا بالحقائق ، على سبيل الإلهام والفيض ، لا يطلب منهم البرهان على ما نطقوا به ، فإذا طالبهم أهل القبلة بذلك ، فسبيلهم السكوت عنهم ، حتى يجيب عنهم الحق تعالى . هـ . وبالله التوفيق . ثم أمر بالتفكر والاعتبار فقال : { قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ … }