Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 46-46)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : " أن تقوموا " : بدل من " واحدة " ، أو خبر عن مضمر . يقول الحق جلّ جلاله : { قلْ } لهم : { إِنما أَعِظُكُم بواحدةٍ } بخصلة واحدة ، وهي : { أن تقوموا لله } أي : لوجه الله خالصاً ، لا لحمية ، ولا عصبية ، بل لطلب الحق والاسترشاد . فالقيام على هذا معنوي ، وهو القصد والتوجُّه بالقلب ، وقيل : حسي ، وهو قيامهم وتفرقهم عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقوم كل واحد منفرداً بنفسه ، يتفكر ، أو مع صاحبه . وهذا معنى قوله : { مَثْنَى وفُرَادَى } أي : اثنين اثنين ، أو فرداً فرداً . والمعنى : أعظكم بواحدة أن تعملوا ما أصبتم الحق ، وتخلصتم من الجهل . وهي أن تقوموا فرداً . والمعنى : أعظكم بواحدة أن تعملوا ما أصبتم الحق ، وتخلصتم من الجهل . وهي أن تقوموا وتنهضوا لله ، معرضين عن المِراء والتقليد ، متفرقين اثنين اثنين ، أو واحداً واحداً فإنَّ الازدحام يُشوّش الخاطر ، ويخلط القول ، ويمنع من الرويّة ، ويقلّ فيه الإنصاف ، ويكثر الاعتساف . { ثم تتفكروا } في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به ، حتى تعلموا أنه حق ، أما الاثنان فيتفكران ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه ، وينظران فيه نظر الصدق والإنصاف ، حتى يؤديهما النظرُ الصحيح إلى الحق ، وكذلك المفرد ، يتفكر في نفسه ويعرض فكره على عقله . فإذا تفكرتم بالإنصاف عرفتم أن { ما بصَاحِبِكم } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم { مِن جِنَّةٍ } من جنون ، وهذا كقوله : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ } [ الأعراف : 184 ] . ومنهم مَن يقف على " تتفكروا " ثم يستأنف النفي . قال القشيري : يقول : إذا سَوَّلَتْ لكم أنفسكم تكذيبَ الرسل ، فأمعنوا النظرَ ، هل تَرَوْنَ فيهم آثار ما رميتموهم به هذا محمد صلى الله عليه وسلم قُلْتُم ساحر ، فأين آثار السحر في أحواله وأفعاله وأقواله ؟ قلتم : فأيّ قسم من أقسام الشعر كلامه ؟ قُلْتُم مجنون ، فأيُّ جنون ظهر منه ؟ وإذا عجزتم فهلاَّ اعترفتم به أنه صادق ؟ ! . هـ . { إِن هو إِلا نذير لكم بين يَديْ عذابٍ شديدٍ } أي : قُدَّام عذاب شديد ، وهو عذاب الآخرة ، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم : " بُعثتُ بين يَديِ الساعة " . الإشارة : فكرة الاعتبار تشد عروة الإيمان ، وفكرة الاستبصار تشد عروة الإحسان ، فأول ما يتفكر فيه الإنسان في أمره صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به من العلوم اللدنية ، والأسرار الربانية ، مع ما أخبر به من قصص القرون الماضية ، والشرائع المتباينة ، مع كونه أُميًّا ، لم يقرأ ، ولم يطالع كتاباً قط ، وما أخبر به من أمر الغيب ، فوقع كما أخبر ، وما ظهر على يديه من المعجزات ، وما اتصف به عليه الصلاة والسلام من الأخلاق الحسنة ، والشيم الزكية ، وما كان عليه من سياسة الخلق ، مع مشاهدة الحق . وهذا لا يطاق إلا بأمر رباني ، وتأييد إلهي . فإذا أشرقت على قلبه أنوار النبوة ، ترقى بها إلى أنوار الربوبية ، فيتفكر في عجائب السموات والأرض ، فيعرف عظمة صانعها ، فإذا سقط على شيخ عارف بالله أدخله فكرة العيان ، فيغيب عن نظرة الأكوان ، ويبقى المُكوّن وحده . كان الله ولا شيء معه ، وهو الآن على ما عليه كان . ثم بين أنه لا يطلب أجراً على الإنذار إزاحة للتهمة عنه فقال : { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ … }