Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 48-50)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { قُلْ إِنَّ ربي يَقْذِفُ بالحق } أي : بالوحي ، فيرمي به على الباطل ، من الكفر وشبهه ، فيدمغه ، أو : يرمي به إلى أقطار الآفاق ، فيكون وعداً بإظهار الإسلام ، أو : يلقيه وينزله إلى أنبيائه . والقذف : رمي السهم ونحوه بدفع واعتمادٍ ، ويستعار لمطلق الإلقاء ، ومنه : { وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ } [ الأحزاب : 26 ] . تمّ وصف الرب بقوله : { علاّمُ الغيوب } أي : هو علام الغيوب . { قل جاء الحقُّ } أي : الإسلام : أو : القرآن ، { وما يُبْدِىءُ الباطلُ وما يُعيدُ } أي : زال الباطل وهلك ، لأن الإبداء والإعادة من صفات الحي ، فعدمهما عين الهلاك ، والمعنى : جاء الحق وهلك الباطل ، كقوله : { جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ } [ الإسراء : 81 ] قال الكواشي : المعنى : ذهب الباطل لمجيء الحق ، فلم يبقَ له بقية حتى يبدىء شيئاً أو يعيده . ثم قال : وهذا مثلٌ ، يقال : فلان لا يبدىء ولا يعيد ، إذا كان لا يلتفت إليه ولا يعتمد عليه . وقال الهروي : الباطل : إبليس ، ما يبدىء ولا يعيد : لا يخلق ولا يبعث ، والله تعالى هو المبدىء المعيد ، ومعناهما : الخالق الباعث . وقال في الصحاح : وفلان ما يبدىء وما يعيد ، أي : ما يتكلم ببادية ولا عائدة ، ومثله في القاموس . والحاصل : أنه عبارة عن زهوق الباطل ، حتى لا يبقى له ظهور . وعن ابن مسعود رضي الله عنه دخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكةَ يوم الفتح ، وحول الكعبة أصنام ، فجعل يطعنُها بعودٍ ، فتقطع لقفاها ، ويقول : " { جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } [ الإسراء : 81 ] قل جاء الحق وما يُبدىءُ الباطلُ وما يُعيد " . ولما قالوا له صلى الله عليه وسلم : قد ضللت بترك دين آبائك قال الله تعالى : { قل إِن ضللتُ } عن الحق { فإِنما أَضلُّ على نفسي } فإن وبال ضلالي عليها ، { وإِن اهتديتُ فبما يُوحي إِليّ ربي } أي : فبتسديده بالوحي إِليّ . وكان قياس المقابلة أن يقال : وإن اهتديتُ فإنما أهتدي لها ، كقوله : { فَمِنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } [ الزمر : 41 ] ، ولكن هما متقابلان معنًى لأنّ النفس كلّ ما يضرها فهو بسببها ، وما لها مما ينفعها ، فهو بهداية ربها وتوفيقه ، وهذا حكم عمل لكل مكلّف . وإنما أمر رسولَه أن ينسبه إلى نفسه تشريعاً لغيره لأنه إذا كان هذا له مع جلالة قدره فما باله بغيره ؟ . { إِنه سميع } لما أقوله لكم ، { قريبٌ } مني ومنكم ، فيجازيني ويجازيكم على ما أخفيتم وما أعلنتم . الإشارة : الحق هو العلم بالله ، والباطل الجهل بالله ، أو : ما سوى الله ، فإذا حصل للعبد العلم بالله غاب عنه كل ما سواه ، وما بقي في الوجود إلا الله ، وفي ذلك يقول الشاعر : @ فلم يبقَ إلا الله لم يبق كائن فما ثم موصول ولا ثم بائن بذا جاء برهان العيان فما أرى بعيني إلا عينه إذ أعاين @@ وفي القوت في تفسير الآية : أي : لما جاء الحق أبطل الباطل وأعاده ، فأظهر حقيقة الأمر بدءاً وعوداً ، أي : كشف ما يبدىء الباطل للابتداء ، وما يعيد على العبد من الأحكام ، يعني : أن نور الحق يكشف حقيقةَ الباطل وضررَ عاقبته ، وقُبحه في ذاته . والله أعلم . هـ . ومَن رُمي بباطل أو بدعة ، وهو محقق بالحق ، متمسك بالسنة النبوية ، فليقل لمَن رماه : { إِن ضللتُ فإنما أضل على نفسي … } الآية . ثم ذكر حسرة من فاته الإيمان في إبانه فقال : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ … }