Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 11-11)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { والله خَلَقَكم } أي : أباكم { من تراب ، ثم } أنشأكم { من نُطفةٍ ثم جعلكم أزواجاً } أصنافاً ، أو : ذكراناً وإناثاً ، { وما تحمل من أُنثى ولا تضعُ إِلا بعلمه } إلا معلومة له ، وقتاً وكيفية ، { وما يُعَمَّرُ من مُعَمَّرٍ } أي : وما يمد في عمر أحد فيكون طويلاً . وإنما سمّاه معمّراً لِمَا هو صائر إليه ، { ولا يُنْقَصُ من عُمُرِه } أي : يكون عمره قصيراً { إِلا في كتاب } أي : اللوح المحفوظ ، أو : صحيفة الإنسان . وقال ابن جبير : " مكتوب في أول الكتاب : عمره كذا وكذا ، ثم يكتب أسفل ذلك : ذهب يوم ، ذهب يومان ، ذهب ثلاثة ، حتى ينقطع عمره " . ففسر النقص بالذهاب ، ولا يذهب شيء من عمره إلا في كتاب . ويمكن أن يُجري على ظاهره ، باعتبار المحو والإثبات في غير أم الكتاب ، كما ورد في صلة الرحم وقطعها . وانظر عند قوله : { يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَآءُ … } [ الرعد : 40 ] إلخ . { إِنَّ ذلك على الله يسيرٌ } أي : إحصاء الأعمار ، أو زيادتها ونقصانها ، سهل على علم الله وقدرته . الإشارة : أصل نشأة الأشباح من الصلصال ، وأصل نشأة الأرواح من نور الكبير المتعال ، فمَن غلبت طينته على روحانيته ، وهواه على عقله ، التحق بالبهائم ، ومَن غلبت روحانيته على بشريته ، وعقله على هواه ، التحق بالملائكة الكرام . وقوله تعالى : { وما يُعَمَّرُ من معمر … } الآية ، طول العمر وقصره عند الحكماء ، ليس هو بكثرة آماده ، وإنما هو بكثرة أمداده . وفي الحكم : " رُبّ عمر اتسعت آماده ، وقلّتْ أمداده ، ورُبّ عمر قليلة آماده ، كثيرة أمداده " . والأمداد : ما يجد القلب من معارف الله ، وعلومه ، وأنواره ، وأسراره . فرُبّ قلب استمد في زمان قليل ، من العلوم والمعارف والأسرار ، ما لم يستمده غيره في أزمنة متطاولة . وقال أيضاً : " مَن بورك له في عمره ، أدرك في يسير من الزمان من منن الله تعالى ، ما لا يدخل تحت دوائر العبارة ، ولا تلحقه الإشارة " . والغالب أن هذه الأمداد إنما تُنال بصحبة الرجال العارفين بالله ، فإن المدد الذي يحصل له معهم في ساعة واحدة لا يحصل في أزمنة طويلة مع غيرهم ، ولو كثرت صلاتهم وصيامهم . وقال في القوت : فإن البركة في العمر أن تدرك في عمرك القصير ، بيقظتك ، ما فات غيرك في عمره الطويل بعْد ، فيرتفع لك في السنة ما لا يرتفع لغيرك في عشرين سنة . وللخصوص من المقربين في مقامات القرب عند التجلي بصفات الرب إلحاق برفع الدرجات ، وتدارُكٌ بما فات عند أذكارهم ، وأعمال قلوبهم ، اليسيرة ، في هذه الأوقات . فكل ذرة من تسبيح ، أو تهليل ، أو حمد ، أو تدبُّر ، أو تبصرة ، أو تفكُّر وتذكرة ، لمشاهدة قرب ، ووجد برب ، ونظرة إلى حبيب ، ودنو من قريب ، أفضل من أمثال الجبال من أعمال الغافلين ، الذين هم لنفوسهم واجدون ، وللخلق مشاهدون . ومثال العارفين ، فيما ذكرناه من قيامهم بشهادتهم ورعايتهم لأماناتهم وعهدهم ، في وقت قربهم وحضورهم مثلُ العامل في ليلة القدر ، العمل فيها ، لمَن وافقها ، خير من ألف شهر . وقد قال بعض العلماء : كل ليلة للعارف بمنزلة ليلة القدر . هـ . منه . ثم ذكر دلائل قدرته تتميماً لقوله { إن ذلك علىالله يسير } فقال : { وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ … }