Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 13-14)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { يُولج الليلَ في النهار ويُولج النهارَ في الليل } أي : يُدخل من ساعات أحدهما في الآخر ، حتى يصير الزائدُ منهما خمس عشرة ساعة ، والناقص تسعاً . { وسخَّر الشمسَ والقمرَ } ذللها لِمَا يُراد منهما ، { كُلٌّ يجري لأجلٍ مسمى } أي : يوم القيامة ، فينقطع جريهما ، { ذلكم اللهُ ربكم } الإشارة إلى فاعل هذه الأشياء ، وهي : مبتدأ ، و " الله " وما بعده : أخبار ، { له الملكُ } له التصرف التام . { والذين تَدْعُون من دونه } من الأصنام ، أي : تعبدونهم ، { ما يملكون من قِطْمِير } وهي القشرة الرقيقة الملتفة على النواة ، كما أن النقير : النقطة في ظهره . وهما كنايتان عن حقارة الشيء وتصغيره . { إِن تدْعُوهُم } أي : الأصنام { لا يسمعوا دعاءَكم } لأنهم جماد ، { ولو سَمِعُوا } على سبيل الفرض { ما استجابوا لكم } لأنهم لا يدّعون ما تدّعون لهم من الإلهية ، بل يتبرؤون منها . { ويومَ القيامة يكفرون بشِرْكِكم } بإشراككم لهم ، وعبادتكم إياهم . ويقولون : { مَّا كُنتُم إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } [ يونس : 28 ] . { ولا يُنبئك مِثْلُ خبيرٍ } أي : ولا يخبرك بالأمر على حقيقته مخبر مثل خبير به ، وهو الله تعالى فإنه خبير به على الحقيقة ، دون سائر المخبرين . والمراد : تحقيق ما أخبر به من حال آلهتهم ، ونفي ما يدعون لها . أو : ولا يخبرك أيها المفتون بأسباب الغرور ، كما ينبئك الله الخبير بخبايا الأمور وتحقيقها ، أي : لا يخبرك بالأمور مخبر هو خبير عالم به ، يريد أنَّ الخبير بالأمور وحده هو الذي يُخبرك بالحقيقة ، دون سائر المخبرين . والمعنى : أنَّ هذا الذي أخبرتكم به من حال الأوثان هو الحق أنه خبيرٌ بما أخبرتُ به . والله تعالى أعلم . الإشارة : قال الشيخ : أبو العباس المرسي رضي الله عنه : يُولج الليل في النهار ، ويولج النهارَ في الليل . يُولج المعصية في الطاعة ، ويُولج الطاعة في المعصية . يعمل العبد الطاعة فيُعجب بها ، ويعتمد عليها ، ويستصغر مَن لم يفعلها ، ويطلب من الله العوض عليها ، فهذه حسنات أحاطت بها سيئات . ويُذنب العبدُ الذنبَ ، فيلتجىء إلى الله فيه ، ويعتذر منه ، ويستصغر نفسه ، ويُعظم مَن لم يفعله ، فهذه سيئة أحاطت بها حسنات ، فأيتهما الطاعة ، وأيتهما المعصية ؟ هـ . أو : يولج ليلَ القبض في نهار البسط ، وبالعكس ، أو : يولج ليلَ الحجبة في نهار الكشف ، ونهارَ الكشف في ليل القطيعة ، يتواردان إلى حال طلوع شمس العرفان ، فلا غروب لها ، كما قال الشاعر : @ طلعت شمسُ من أُحب بليلٍ واستنارت فما تلاها غروب إنَّ شمسَ النهارِ تَغْربُ بالليـ ـل وشمس القلوبِ ليستْ تغيبُ @@ قال القشيري : يُولج الليل في النهار ، تغلب النَّفسُ مرةً على القلب ، وبالعكس ، وكذلك القبضُ والبسط ، فقد يستويان ، وقد يغلب أحدُهما ، وكذلك الصحو والسُكْرُ ، والفناء والبقاء ، وآثار شموس التوحيد ، وأقمار المعرفة على ما يريد من إظهارها على القلوب . فهذه كلها يولج أحدها في الآخر . ولا يعرف هذا إلا مَن تحقق بفقره إلى الله تعالى . كما قال : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ … }