Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 1-1)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قلت : { أولِي } : اسم جمع ، كذُو ، وهو بدل من " رسلاً " ، أو نعت له ، و { مثْنَى وثُلاثَ ورُباع } : نعوت لأجنحة ، وهو غير منصرف لأنه معدول عن اثنين اثنين ، وثلاثة ثلاثة ، وهو باعتبار الأشخاص ، أي : منهم مَن له اثنان ، ومنهم مَن له ثلاثة ، هذا ظاهر الكشاف . يقول الحق جلّ جلاله : { الحمدُ لله } ، حمد نفسه تعليماً وتعظيماً ، { فاطرِ السماواتِ والأرض } مبديهما ومبدعهما . قال ابن عباس رضي الله عنه : " ما كنت أدري معنى فاطر حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، أي : ابتدأتها " . قال البيضاوي : من الفطر ، بمعنى الشق ، كأنه شق العدم بإخراجهما منه . قلت : وكأنه شق النور الكثيف من النور اللطيف ، فنور السموات والأرض من نوره الأزلي ، وسره الخفي . { جاعلِ الملائكةِ رسلاً } إلى عباده ، أي : وسائط بين الله وبين أنبيائه والصالحين من عباده ، فيُبلغون إليهم رسالاته بالوحي ، والإلهام ، والرؤيا الصادقة . { أُولي أجنحةٍ } متعددة { مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاع } أي : منهم ملائكة لهم اثنان لكل واحد جناحان ، ومنهم مَن له ثلاثة ، ومنهم مَن له أربعة ، بتفاوت ما لهم من المراتب ، ينزلون بها ، ويعرجون ، أو : يُسرعون نحو ما وكلهم الله عليه ، يتصرفون فيه على ما أمرهم به ، ولعله تعالى لم يرد الحصر ونفى ما زاد عليها ، لِمَا رُوي أنه صلى الله عليه وسلم رأى جبريل ليلة المعراج ، وله ستمائة جناح . وَرُويَ أنه طلب منه أن يريه صورته التي خلقه اللهُ عليها ، فلما رآه كذلك خرّ مغشِياً عليه . وقال : ما كنت أرى شيئاً من الخلق هكذا . فقال له : لو رأيت إسرافيل ، إِنَّ له لاثني عشر جناحاً بالمشرق ، واثني عشر جناحاً بالمغرب ، وإنَّ العرش لعلى كاهله ، وإنه ليتضاءل لعظمة الله تعالى . هـ . { يَزيدُ في الخلق ما يشاء } أي : يزيد في خَلْق الأجنحة وغيره ما يريد . وقيل : هو الوجه الحسن ، والشَعْر الحسن ، والصوت الحسن ، والحظّ الحسن . والملاحة في العينين . والآية مطلقة تتناول كلَّ زيادة في الخلق ، من طول قامة ، واعتدال صورة ، وتمام في الأعضاء ، وقوة في البطش ، وحصافة العقل ، وجزالة في الرأي ، وفصاحة في اللسان ، وحُسن خلق في المعاشرة ، ومحبة في قلوب المؤمنين وغير ذلك . { إِن الله على كل شيءٍ قدير } فيقدر على ما يشاء ، من زيادةٍ في الخلق ، ونقصان فيها ، على حسب المشيئة السابقة . الإشارة : الحمدُ في القرآن وقع على أربعة أقسام : حمد مطلق ، وهو الواقع على عظمة ذاته ، من غير أن يكون في مقابلة شيء ، وهو قوله : { قُلِ الْحَمْدُ للهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى } [ النمل : 59 ] ، { الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ النحل : 75 ] وحمدٌ وقع في مقابلة تنزيه ذاته عن النقائص ، وهو قوله : { وَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً … } [ الإسراء : 111 ] الآية . وحمدٌ وقع في مقابلة نعمة الإيجاد ، وهو قوله : { الْحَمْدُ للهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ … } [ الأنعام : 1 ] ، وحمدٌ وقع في مقابلة نعمة الإمداد الحسي ، كقوله : { الحمد لله رب العالمين } ، { فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاواتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الجاثية : 36 ] ، فإن التربية تقتضي وصول ما يحتاج إليه المربّي ، أو الإمداد المعنوي ، وهو إمداد القلوب والأرواح بالهداية ، وهو قوله : { الْحَمْدُ للهِ الَّذِى أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ } [ الكهف : 1 ] { الْحَمْدُ للهِ الَّذِى هَدَانَا لِهَذَا … } [ الأعراف : 43 ] فهذه أربعة : حمد مطلق ، أو مقيد بشأن التنزيه ، أو بنعمة الإيجاد ، أو الإمداد ، وما وقع هنا في إظهار تجلياته ، من أرضه وسماواته ، ولطائف ملائكته ، فإن ذلك كله من نور جبروته . وقوله تعالى : { يَزِيدُ في الخلق ما يشاء } قال القشيري : يقال : هو الفهم عن الله ، أو السخاء والجود ، أو : الرضا بالتقدير ، أو : علو الهمة ، أو : التواضع في الشرف ، أو : العفة في الفقر ، أو : الظَرفُ أي : الظرافة في الشمائل ، أو : أن يكون مُحَبباً في القلوب ، أو : خفة الروح ، أو : تحرُّر القلب عن رِقِّ الحرمان أي بالوقوف مع الأكوان أو : ألا يطْلُب لنفسه منزلةً في الدارين أي : بأن يكون عبد الله حقيقة ـ . هـ . ملخصاً . والصواب أن الزيادة تشمل ذلك كله ولك من خصه بشيء فإنما ذلك رحمة منه تعالى كما قال تعالى : { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ … }