Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 2-2)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحق جلّ جلاله : { ما يَفْتَح اللهُ للناسِ من رحمة } أي : ما يطلق ويرسل من رحمة ، كنعمة ، ومطر ، وأمن ، وعافية ، ورزق ، وعلم ، ومعرفة ، ونبوة ، وغيرها ، { فلا مُمسِكَ لها } فلا أحد يقدر على إمساكها وردها ، واستعير الفتح للإطلاق لأنه مسبب عنه . ونكّر الرحمة للإشاعة والإبهام ، كأنه قال : من أيّ رحمة كانت ، فتشمل نعمة الدفع والجلب ، كدفع المحن وجلب المنن . والاعترافُ بالمنعم من تمام النعمة ، والأمران مدرجان في الفتح والإمساك ، { وما يُمْسِكْ } أي : يمنع ويحبس من ذلك { فلا مُرسل له } فلا مُطلق له { من بعده } من بعد إمساكه . وأنث الضمير الراجع إلى الاسم المتضمِّن معنى الشرط على معنى الرحمة ، وذكّره حملاً على لفظ المرجوع إليه إذ لا تأنيث فيه لأن الأول فسّر بالرحمة ، فحسن اتباع الضمير التفسير ، ولم يفسر الثاني فتُرك على أصل التذكير . وعن معاذ رضي الله عنه مرفوعاً : " لا تزال يدُ الله مبسوطة على هذه الأمة ما لم يرفُقْ خيارُهم بشرارهم ، ويُعظّمْ بَرُّهُم فاجرَهم ، وتعِنْ قراؤهم أمراءهم على معصية الله . فإذا فعلوا ذلك نزع الله يده عنهم " قال ابن عرفة : يُؤخذ من قوله تعالى : { وما يُمسك … } أن العدم السابق الإضافي متعلق للقدرة ، وجعله بعض الأصوليين متعلقاً للإرادة أيضاً ، وذلك لأن المصحح للتعلُّق الإمكان . هـ . قال الأُبي : لا دليل في الآية لاحتمال أن يكون التقدير : وما يريد إمساكه ، فيكون من متعلقات الإرادة ، ويحتمل : وما يُمسك عن الإرسال بعد وجوده ، كإمساك الماء عن النزول بعد خلقه في السحاب . هـ . { وهو العزيزُ } الغالب ، القادر على الإرسال والإمساك . { الحكيمُ } الذي يُرسل ويُمسك ، بما تقتضي الحكمة إرساله ، أو إمساكه . الإشارة : ما يفتح الله لقلوب عباده من نفحات ، وواردات ، وإلهامات ، وعلوم لدنية ، وحِكَم ربانية ، وتعرفات جمالية وجلالية ، فلا ممسك لها ، بل الله يفتح على مَن يشاء ، ويسد الباب في وجه مَن شاء . وسدُّ الباب في وجه العبد عن معرفته الخاصة ، علامته : عدم إيصاله إلى أوليائه . فكل مَن وصله إليهم ، وصَحِبهم ، وعظَّمهم ، وخدمهم ، فقد فتح الله له الباب في وصوله إليه ، وكل مَن نكبه عنهم ، ولم يصحبهم ، كما ذكر ، فقد سُدّ الباب في وجهه عن معرفته العيانية . وفي الحكم : " سبحان مَن لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ، ولم يوصل إليهم إلا مَن أراد أن يوصله إليه " . وما يُمسك من ذلك فلا مرسل له من بعده ، ولو صلّى وصام ألف عام . قال القشيري : ما يلوح لقلوب العارفين من أنوار التحقيق لا سحاب يستره ، ولا ضباب يقهره . ويقال : ما يلزم قلوبَ أوليائه وأحوالهم من التيسير فلا مُمسك له ، والذي يمنع من أعدائه بسبب ما يُلقيهم فيه من انغلاق الأمور واستصعابها فلا مُيَسِّرَ له من دونه . هـ . وبالله التوفيق . ثم ذكرهم بالميعاد لأن تذكر النعم سبب الفتح فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذْكُرُواْ … }