Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 38-39)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { إِن الله عالمُ غيبِ السماوات والأرض } أي : ما غاب فيهما عنكم ، { إِنه عليم بذاتِ الصدور } تعليل لِمَا قبله لأنه إذا عَلِمَ ما في الصدور ، وهي أخفى ما يكون ، فقد عَلِمَ كل غيب في العالم . وذات الصدور : مضمراتها ووساوسها . وهي تأنيث " ذو " بمعنى : صاحب الوساوس والخطرات ، تصحب الصدور وتُلازمها في الغالب ، أي : عليم بما في القلوب ، أو بحقائقها ، على أن " ذات " بمعنى الحقيقة . { هو الذي جعلكم خلائفَ في الأرض } أي : جعلكم خلفاء عنه في التصرُّف في الأرض ، قد ملككم مقاليد التصرُّف فيها ، وسلطكم على ما فيها ، وأباح لكم منافعها لتشكروه بالتوحيد والطاعة . { فمَن كفر } منكم ، وغمط مثل هذه النعمة السنيّة ، { فعليه كُفْرُه } فوبالُ كفره راجعٌ عليه ، وهو مقتُ الله ، وخسران الآخرة ، كما قال تعالى : { ولا يزيدُ الكافرين كفرُهُم عند ربهم إلا مَقْتاً } وهو أشد البغض ، { ولا يزيد الكافرين كُفْرُهُم إِلا خساراً } هلاكاً وخسراناً . الإشارة : إن الله عالم بما غاب في سموات الأرواح ، من أسرار العلوم والمكاشفات ، والاطلاع على أسرار الذات ، وأنوار الصفات ، وما غاب في أرض النفوس من الموافقات أو المخالفات ، إنه عليم بحقائق القلوب ، من صفائها وكدرها ، وما فيها من اليقين والمعرفة ، وضدهما . قال القشيري : { إِنَّ الله عالمُ غيبِ السماواتِ والأرضِ } بإخلاص المخلصين ، وصدق الصادقين ، ونفاق المنافقين ، وجحد الكافرين ، ومَن يريد بالناس شرًّا ، ومَن يُحْسِن بالله ظَنًّا . هـ . وقال في قوله تعالى : { هو الذي جعلكم خلائف } أهل كلِّ عصرٍ خليفة عصر تقدمهم ، فَمِنْ قومِ هم أنفسهم جَمال ، ومن قوم أراذل وأنذال ، والأفاضلُ زمانهم لهم محنة ، والأراذلُ هم لزمانهم محنة . وحاصل كلامه : أن قوماً عرفوا حق الخلافة ، فقاموا بحقها ، وشكروا الله عليها ، بالقيام بطاعته ، فكانوا في زمانهم جمالاً لأنفسهم ، ولأهل عصرهم ، لكنهم لَمَّا تحمّلوا مشاق الطاعات ، وترادف الأزمات ، كان زمانهم لهم محنة . وقوماً لم يعرفوا حق الخلافة ، فاشتغلوا بالعصيان ، فانتحس الزمان بهم ، فكانوا محنة لزمانهم . ثم ردّ على من كفر بالشرك فقال : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ … }