Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 36-37)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : " فيموتوا " : جواب النفي . يقول الحق جلّ جلاله : { والذين كفروا لهم نارُ جهنَّمَ } يُخلدون فيها ، { لا يُقْضَى عليهم فيموتوا } أي : لا يحكم بموت ثان فيستريحوا ، { ولا يُخفف عنهم من عذابها } ساعة ، بل كلما خبت زِيد إسعارها ، وهذا مثل قوله : { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ } [ الزخرف : 75 ] ، وذكر عياض انعقاد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ، ولا يُثابون عليها . ولا تخفيف عذاب . وقد ورد في الصحيح سؤال عائشة عن ابن جدعان ، وأنه كان يصل الرحم ، ويطعم المساكين ، فهل ذلك نافعُه ، فقال عليه السلام : " لا ، فإنه لم يقل يوماً : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " ثم قال عياض : ولكن بعضهم يكون أشد عذاباً ، بحسب جرائمهم . وذكر أبو بكر البيهقي : أنه يجوز أن يراد بما ورد في الآيات والأخبار من بطلان خيرات الكفار : أنهم لا يتخلصون بها من النار ، ولكن يُخفف عنهم ما يستوجبونه بجناية سوى الكفر ، ودافعه المازري . قال شارح الصغاني بعد هذا النقل : وعلى ما قاله عياض ، فما ورد في أبي طالب من النفع بشفاعته صلى الله عليه وسلم ، بسبب ذبِّه عنه ونصرته له ، مختص به . هـ . ويرد عليه ما ورد من التخفيف في حاتم بكرمه ، فالظاهر ما قاله البيهقي . والله أعلم . ومثل ما قاله في أبي طالب ، قيل في انتفاع أبي لهب بعتق ثويبة ، كما في الصحيح . والحاصل : أن التخفيف يقع في بعض الكفار ، لبره في الدنيا ، تفضلاً منه تعالى ، لا في مقابلة عملهم لعدم شرط قبوله . انظر الحاشية . { كذلك } أي : مثل ذلك الجزاء الفظيع ، { نجزي كلَّ كفور } مبالغ في الكفران { وهم يصطرخون فيها } : يستغيثون ، فهو يفتعلون ، من : الصراخ ، وهو الصياح بجهد ومشقة . فاستعمل في الاستغاثة لجهر صوت المستغيث . يقولون : { ربَّنا أخْرِجنا } منها ، ورُدنا إلى الدنيا { نعملْ صالحاً غير الذي كنا نعملُ } فنؤمن بعد الكفر ، ونُطيع بعد المعصية . فيُجابون بعد قدر عمر الدنيا : { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم ما يتذكَّرُ فيه مَن تَذَكَّرَ } أي : أَوَلَم نعمركم تعميراً يتذكر فيه المتذكر . وهو متناول لكل عمر يتمكن منه المكلّف من إصلاح شأنه ، والتدبُّر في آياته ، وإن قصُر ، إلا أن التوبيخ في المتطاول أعظم . وقيل : هو ثماني عشرة سنة . وقيل : ما بين العشرين إلى الستين ، وقيل : أربعون . وروي أن العبد إذا بلغ أربعين سنة ولم يتب ، مسح الشيطان على وجهه . وقال : وجه لا يُفلح أبداً ، وقيل : ستون . وعنه صلى الله عليه وسلم : " العمر الذي أعذر الله فيه ابن آدم ستون سنة " ، وفي البخاري عنه عليه السلام : " أعذر الله المرء آخر أجله حتى بلغ ستين سنة " . { وجاءكم النذيرُ } أي : الرسول عليه السلام ، أو : الكتاب ، وقيل : الشيخوخة ، وزوال السن ، وقيل : الشيب . قال ابن عزيز : وليس هذا شيء لأن الحجة تلحق كل بالغ وإن لم يشب . وإن كانت العرب تسمي الشيب النذير . هـ . ولقوله تعالى بعدُ : { فلما جاءهم نذير } فإنه يتعين كونه الرسول ، وهو عطف على معنى : { أو لم نعمركم } لأن لفظه استخبار ، كأنه قيل : قد عمَّرناكم وجاءكم النذير . قال قتادة : احتج عليهم بطول العمر ، وبالرسول ، فانقطعت حجتهم . قال تعالى : { فذُوقوا } العذاب { فما للظالمين من نصيرٍ } يدفع العذاب عنهم . الإشارة : الذين كفروا بطريق الخصوصية ، وأنكروا وجود التربية بالاصطلاح ، فبقوا مع نفوسهم ، لهم نار القطيعة ولو دخلوا الجنة الحسية ، لا يُقضى عليهم فيموتوا ، ويرجعوا إلى الاستعداد بدخول الحضرة ، ولا يُخفف عنهم من عذاب حجاب الغفلة ، بل يزيد الحجاب بتراكم الحظوظ ، ونسج الأكنة على القلوب ، كذلك نجزي كل كفور وجحود لطريق التربية . وهم يصطرخون فيها ، بلسان حالهم ، قائلين : ربنا أخرجنا ، ورُدّنا إلى دار الفناء ، نعمل صالحاً غير الذي كنا نعملُ ، حتى ندخل ، كما دخلها أهل العزم واليقظة ؟ فيقال لهم : أَوَلَم نُعمركم ما يتذكر فيه مَن تذكر ، وجاءكم النذير ، مَن ينذركم وبال القطيعة ، ويُعرفكم بطريق الحضرة ، فأنكرتموه ، فذُوقوا وبال القطيعة ، فما للظالمين من نصير . ولمّا كان الكفر والإيمان من أعمال القلوب قد يخفى على الناس أخبر أنّ الله هو مطلع على ما فيها فقال : { إِنَّ ٱللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ … }