Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 8-8)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { أفمن } : مبتدأ حُذف خبره ، أي : كمن هداه الله ، أو ذهبت نفسك عليه حسرات . و { حسرات } : مفعول له . وجَمعها لتضاعف اغتمامه ، أو تعدُّد مساوئهم . و { عليهم } : صلة لتذهب ، كما تقول : هلك عليه حُبًّا ، ومات عليه حُزناً . ولا يتعلق بحسرات لأن المصدر لا يتقدَّم عليه صلته ، إلا أن يتسامح في الجار والمجرور . يقول الحق جلّ جلاله : { أفمن زُيّن له سُوءُ عمله } بأنْ غلَب هواه على عقله ، وجهله على علمه ، حتى انعكس رأيه ، { فرآه حَسَناً } فرأى الباطل حقًّا ، والقبيح حسناً ، كمَن هداه الله واستبصر ، فرأى الحق حقًّا ، والباطل باطلاً ، فتبع الحق ، وأعرض عن الباطل ، ليس الأمر كذلك ، { فإِن الله يُضِلُّ من يشاء ويهدي من يشاء } فمَن أضله رأى الباطل حقًّا ، فتبعه ، ومَن هداه رأى الباطل باطلاً ، فاجتنبه ، والحق حقًّا فاتبعه . { فلا تَذْهَبْ نفسُك عليهم حسرات } أي : فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيهم وإصرارهم على التكذيب ، فإن أمرهم بيدي ، وأنا أرحم بهم منك ، فإنما عليك البلاغ ، وعلينا الحساب . { إِن الله عليم بما يصنعون } فيجازيهم عليه ، وهو وعيد لهم بالعقاب على سوء صنيعهم . الإشارة : إذا أراد الله إبعاد قوم غطّى نور بصيرتهم بظلمة الهوى فيُزيّن في عينهم القبيح ، ويستقبح المليح ، فيرون القبيح حسناً ، والحسن قبيحاً ، كما قال الشاعر : @ يُغمى على المرء في أيام مِحنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن @@ قال القشيري : ومعنى التزيين كالكافر ، يَتَوَهَّمُ أنَّ فعله حَسَنٌ ، وهو عند الله من أقبح القبيح ، ثم الراغب في الدنيا يجمع حلالها وحرامها ، ويحوّش حُطَامها ، لا يتفكر في زوالها ، ولا في ارتحاله عنها من قبل كمالها ، ولقد زيَّن له سوء عمله ، والذي يتبع الشهوات يبيع مؤبد راحته في الجنة ، بمتابعة شهوة ساعة ، فلقد زُين له سُوءُ عمله ، والذي يُؤيِرُ على ربِّه شيئاَ من المخلوقات ، فهُو من جملتهم ، والذي يتوهَّمُ أنه إذا وَجَدَ النجاة والدرجات في الجنة فقد اكتفى ، فقد زُيِّن له سوءُ عمله ، حيث تغافل عن حلاوة مناجاته . والذي هو في صحبة حظوظه ، دون إيثار حقوق الله ، فقد زُين له سوء عمله فرآه حسناً . هـ . قلت : وكذلك مَن وقف مع الكرامات والمقامات ، وحلاوة الطاعات ، دون درجة المشاهدة ، فقد زُين له سوء عمله . والحاصل : كل مَن وقف مع شيء ، دون تحقيق الفناء في الذات ، فهو مُزيَّن له سوء عمله . وكل مَن لم يصحب الرجال فهو غالط ، يظن أنه واصل ، وهو منقطع في أول البدايات . وبالله التوفيق . وقوله تعالى : { فلا تَذهب نفسك عليهم حسرات } ، كذلك يقال للواعظ ، إذا رأى إدبار الخلق ، وعدم تأثير الوعظ فيهم ، فليكتفِ بعلم الله فيهم ، ولا يتأسّف على أحد ، فإن التوفيق بيد الله . ورما يحييهم بعد حيث كما يحيي الأرض بعد موتها كما أشار إلى ذلك بقوله : { وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ … }