Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 5-7)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { يا أيها الناسُ إِن وعدَ الله } بالبعث والجزاء { حق } أي : كائن لا محالة ، فاستعدُّوا للقائه ، { فلا تَغُرنَّكم الحياةُ الدنيا } لا تخدعنكم زخارف الدنيا الغرارة ، ولا يُذهلنكم التمتُّع بها ، والتلذُّذ بملاذها ، والاشتغال بجمعها واحتكارها ، عن التأهُّب للقاء الله ، وطلب ما عنده . وفي الحديث : " فلا تخدعنكم زخارف دنيا دنية ، عن مراتب جنات علية ، فكأنْ قد كشف القناع ، وارتفع الارتياب ، ولاقى كل امرىء مستقره ، وعرف مثواه ومنقلبه " { ولا يغرنكم بالله الغرورُ } أي : الشيطان ، فإنه يُمنِّيكم الأماني الكاذبة ، ويقول : إن الله غني عن عبادتك وعن تكذيبك . أو : إن الله غفور لمَن عصاه . { إِنَّ الشيطانَ لكم عدوٌّ } ظاهر العداوة ، فعل بأبيكم ما فعل ، وأنتم تعاملونه معاملة الحبيب الناصح ، { فاتخِذوه عدواً } فلا تقبلوا غروره في عقائدكم وأفعالكم ، وكُونوا على حذر منه في جميع أحوالكم إذ لا يوجد منه إلا ما يدل على عداوته في سركم وجهركم . قال الورتجبي : إنه عدو لأنه من عالم القهر خُلق ، ونحن من عالم اللطف خُلقنا . والطبعان متخالفان أبداً ، لأن القهر واللطف تسابقا في الأزل ، فسبق اللطفُ القهر ، فعداوته من جهة الطبع الأول ، والجهل بالعصمة ، وأنوار التأييد والنصرة ، ومَن لا يعرفه بما وصفنا ، كيف يتخذه عدواً ؟ وهو لا يعرف مكائده ، ولا يعرف مكائده إلا وليّ أو صدِّيق . هـ . ثم خطّأ مَن اتبعه بأن غرضه أن يورد شيعَته موارد الهلاك ، بقوله : { إِنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير } فهو تقرير لعداوته ، وبيان لغرضه في دعوى شيعته إلى اتباع الهوى ، والركون إلى الدنيا ، أي : إنما يدعوهم إلى الهوى ، ليكونوا من أهل النار . ثم بيَّن مآل مَن اتبعه ومَن عاداه ، فقال : { الذين كفروا لهم عذاب شديد } أي : فمَن أجابه إلى ما دعي فله عذاب شديد لأنه صار من حزبه وأتباعه ، { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } ولم يجيبوه ، ولم يصيروا من حزبه ، بل عادوه ، { لهم مغفرةٌ وأجر كبير } لكبر جهاده ودوامه . الإشارة : وَعْد الله هنا عام ، وكله حق ، واجب الوقوع ، لا يتخلّف ، فيصدق بوعد الرزق ، وكفاية مَن انقطع إليه عن الخلق ، لقوله : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [ الطلاق : 3 ] وتولى مَن أصلح حالَه لقوله : { وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } [ الأعراف : 196 ] ويصدق بإثابة المطيع ، وعتاب المعاصي ، أو حلمه عنه ، وغير ذلك من المواعد كلها ، فيجب على العبد كفه عن الاهتمام بالرزق ، وخوف الخلق ، والتشمير في الطاعة ، والفرار من المعصية ، إِنْ كان له ثقة بوعد ربه ، وإلا فالخلل في إيمانه . وقوله تعالى : { إِن الشيطان لكم عدو … } الخ ، قوم فهموا من الخطاب أنهم أُمروا بعداوة الشيطان ، فاشتغلوا بعداوته ومحارتبه ، فشغلهم ذلك عن محبة الحبيب ، وقوم فهموا من سر الخطاب : إن الشيطان لكم عدو ، وأنا لكم حبيب ، فاشْتَغلُوا بمحبة الحبيب ، فكفاهم عداوة العدو . قيل لبعضهم : كيف صُنعك مع الشيطان ؟ فقال : نحن قوم صرفنا هِممنا إلى الله ، فكفانا مَن دونه . فالشيطان كالكلب إن اشتغلت بدفعه مزّق الثياب ، أو قطع الإهاب ، وإن رفعته إلى مولاه كفاك شره . وكذلك النفس إن اشتغلت بتصفيتها ومجاهدتها على الدوام شغلتك عن ذكر الله ، والفناء فيه ، ولكن الدواء هو الغيبة عنها ، والاشتغال بالله دائماً ، فإذا أظهرتْ رأسها بقيام شهوتها ، دُقّه ، بعكس مرادها ، وغِبْ عنها في ذكر الله . ومن حِكم شيخنا البوزيدي رضي الله عنه : " انس نفسك بالله ، واعتمد على فضل الله ، وامتثل شيئاً ما ، وينوب الله " . وفي الحكم العطائية : " إذا علمت أن الشيطان لا يغفل عنك ، فلا تغفل أنت عمن ناصيتك بيده " . وقال أيضاً : " وحرّك عليك النفس ليدون إقبالك عليه " . وقال : " لو كنت لا تصل إليه إلا بعد فناء مساوئك ، ومحو دعاويك ، لم تصل إليه أبداً . ولكن إذا أراد أن يُوصلك إليه ، غطى وصفك بوصفه ، ونعتك بنعته ، فوصلك بما منه إليك ، لا بما منك إليك " . ومن جملة عداوته تزيين القبائح كما قال تعالى : { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ … }