Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 41-44)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { وآية لهم أنَّا حَمَلْنا ذُريتَهُم } أولادهم ، الذين يبعثونهم إلى تجاراتهم ، أو صبيانهم ونسائهم الذين يستصحبونهم فإن الذرية تقع عليهن لأنهن مزارعها . وتخصيصهم لأن استقرارهم في السفن أشق ، وتماسكهم فيها أعجب ، أو خصهم لضعفهم عن السفر ، فالنعمة فيهم أظهر . فحملناهم { في الفلك المشحونِ } : المملوء ، والظاهر : أن الضمير في " ذريتهم " للجنس . كأنه قال : ذُريات جنسهم ونوعهم . قال ابن عباس وجماعة : يريد بالذُريَّات المحمولين : أصحابَ نوح في السفينة ، ويريد بقوله : { وخلقنا لهم من مثله ما يركبون } : السفن الموجودة في جنس بني آدم إلى يوم القيامة ، وإياها عنى بقوله : { وإن نشأ نُغرقهم … } الخ . وأما إطلاق الذرية على الآباء ، فقال ابن عطية : لا يُعرف لغة ، وإنما المراد بالذرية الجنس ، أو حقيقة ما تقدّم . وعليه يكون قوله : { وخلقنا لهم من مثله ما يركبون } يراد به الإبل فإنها سفن العرب . { وإِن نشأ نُغْرِقُهم } إذا ركبوا سفن البحر ، { فلا صَرِيخَ لهم } فلا مغيث ، أو : لا مستغيث لهم ، وهو أبلغ ، أي : لم تبقَ لهم قدرة على الاستغاثة . { ولا هم يُنْقَذُونَ } ينجون من الموت ، { إِلا رحمةً منا ومتاعاً إلى حينٍ } أي : لا ينقذون إلا لرحمة منا ، لتمتيع بالحياة إلى انقضاء الأجل . فهما مفعولان له . وقال بعضهم : الاستثناء راجع لثلاث جمل : " نغرقهم " ، " فلا صريخ لهم " ، " ولا هم يُنقذون " . الإشارة : إذا عامت أفكار العارفين ، في بحار التوحيد ، وأسرار التفريد ، تلاطمت عليها أمواج الدهش من كبرياء الله ، فإن سبق لها سابق عناية الاعتدال أوت إلى سفينة الشريعة ، بعد ركوبها في فلك الحقيقة ، وإليه الإشارة في قوله : { حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون } . وإن لم تسبق له عناية ، غَرِقَ في بحر الزندقة والإلحاد ، كما قال تعالى : { وإن نشأ نُغرقهم فلا صريخ لهم } من شيخ كامل ، ولا هم يُنقذون إلا رحمة منا ومتاعاً إلى حين الكمال ، فيعتدل . قال القشيري : الآية إشارة إلى حَمْلِ الخَلْقِ في سفينة السلامة ، في بحار التقدير ، عند تلاطم أمواجها ، بفنونٍ من التغيير والتأثير ، وكم من عبدٍ غرق في أشغاله ، في ليله ونهاره ، لا يستريح لحظةً في كَدِّ أفعاله ، ومقاساة التعب من أعماله ، وجَمْعِ ماله ، بنسيان عاقبته ومآلِه . ثم قال في قوله تعالى : { وإِن نشأ نُغرقهم } : لولا صفة جُوده وفَضْله لَحَلَّ بهم من البلاء ما حَلَّ بأمثالهم ، لكنه لحُسْنِ إفضاله ، حفظهم في جميع أحوالهم . هـ . ثم ذكر كفرهم لهذه النعم ، فقال : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ … }