Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 66-68)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { ولم نشاءُ لطَمَسْنَا على أعيُنِهِم } اليوم ، أي : أعميناهم وأذهبنا أبصارهم . والطمس : سد شق العين حتى تعود ممسوخة . { فاستَبَقُوا الصِّرَاطَ } على حذف الجار ، وإيصال الفعل ، أي : فاستبقوا إلى الطريق الذي اعتادوا سلوكه ، وبادَروا إليه لِما يلحقهم من الخوف ، { فأنَّى يُبصرون } فكيف يُبصرون حينئذ من جهة سلوكهم ، فيضلون في طريقهم عن بلوغ أملهم . { ولو نشاء لَمَسَخْناهم } قردة ، وخنازير ، أو حجارة ، { على مكانتهم } : على منازلهم ، وفي ديارهم ، حيث يأمنون من المكاره . والمكانة والمكان واحد ، كالمقامة والمقام . { فما استطاعوا مُضيًّا ولا يرجِعُون } فلم يقدروا على ذهاب ومجيء ، أو : مُضِياً أمامهم ، ولا يرجعون خلفهم . والمعنى : أنهم لكفرهم ونقضهم ما عهد إليهم أحقاء بأن نفعل بهم ذلك ، لكنا لم نفعل لشمول الرحمة لهم ، واقتضاء الحكمة إمهالهم . { ومن نُعَمِّرْهُ } نُطِل عمره { نُنكِّسْهُ في الخلقِ } نقلبه فيه . وقرأ عاصم وحمزة بالتشديد . والنكس والتنكيس : جعل الشيء أعلاه أسفله . والمعنى : مَن أطلنا عمره نكَسنا خلقه ، وهو نوع من المسخ ، فصار بدل القوة ضعفاً ، وبدل الشباب هرماً ، وذلك أنا خلقناه على ضعف في جسده ، وخلو من عقل وعلم ، ثم جعلناه يتزايدُ إلى أن يبلغ أشده ، ويستكمل قوته ، ويعْقل ، ويعلم ما له وعليه ، فإذا انتهى نكّسناه في الخلق ، فجعلناه يتناقصُ حتى يرجع إلى حال شبيهة بحال الصبيّ ، في ضعف جسده ، وقلّة عقله ، وخلوّه من العلم ، كما ينكس السهم ، فيجعل أعلاه أسفله . قال تعالى : { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [ النحل : 70 ] . قال ابن عباس : " مَن قرأ القرآن أي وعمل به لم يرد إلى أرذل العمر " . { أفلا يعقلون } أنّ مَن قدر أن ينقلهم من الشباب إلى الهرم ، ومن القوة إلى الضعف ، ومن رجاحة العقل إلى الخرف وقلة التمييز ، قادرٌ على أن يطمسَ على أعينهم ، ويمسخهم على مكانتهم ، ويبعثهم بعد الموت . الإشارة : ولو نشاء لطمسنا على أعينهم ، فلا يهتدون إلى طريق السلوك ، ولا يسلكونها ، فيبقوا في الحجاب على الدوام . ولو نشاء لمسخنا قلوبهم على مكانتهم ، من رجاحة العقل والفهم ، فلا يتدبّرون إلا في الأمور الحسية ، فلا يستطيعون مُضيًّا في بلاد المعاني ، ولا رجوعاً عن الحسيّات . ومَن نُعَمّره من هؤلاء نُنكّسْهُ في الخلق ، فيلحقه الخرف والضعف ، وأما مَن اهتدى إلى طريق السير ، وسلك بلاد المعاني ، فلا يزيده طول العمر إلا رجاحةً في العقل ، وقوةً في العلم ، وتمكيناً في المعاني والمعرفة . قال القشيري : ومَن نُعَمِّرْهُ ننكِّسْه في الخلق : نرده إلى العكس ، فكما كان يزداد في القوة ، يأخذ في النقصان ، إلى أن يبلغَ أرذلَ العُمر ، فيصير إلى مثل حال الطفولية من الضعف ، ثم لا يبقى بعد النقصان شيءٌ ، كما أنشدوا : @ طوى العصران ما نشراه مني فأبلى جدتي نشرٌ وطي أراني كلَّ يومٍ في انتقاصٍ ولا يبقى مع النقصان شي @@ وهذا في الجثة والمباني ، دون الأحوال والمعاني ، فإن الأحوال في حق الجثة في الزيادة إلى بلوغ حَد الخَرَفِ ، فيَخْتَلُّ رأيُه وعَقْلُه . وأصحاب الحقائق تشيب ذوائبُهم ، ولكنَّ محابَّهم ومعانيَهم في عنفوان شبابها ، وطراوة جدَّتها . هـ . ثم أنكر على من رمى القرآن بكونه شعراً ، فقال : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ … }