Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 60-65)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله ، في توبيخ الكفرة يوم القيامة : { أَلَمْ أعهدْ إِليكم يا بني آدمَ ألا تعبدوا الشيطان إِنه لكم عدو مبين } يقال : عهِد إليه : إذا وصّاه . وهذا العهد إما على ألسنة الرسل ، أو : يوم : { ألست بربكم } ، أو : ما نصبه لهم من الحُجج العقلية ، والدلائل السمعية ، الآمرة بعبادته ، الزاجرة عن عبادة غيره . وعبادة الشيطان : طاعته فيما يُوسوس به إليهم ، ويُزيِّنه لهم . { وأن اعبدوني } : عطف على { ألاَّ تعبدوا } ، أي : عهدنا إليكم ألاَّ تُطيعوا الشيطان ووحّدوني ، وأطيعوني ، { هذا صراطٌ مستقيم } إشارة إلى ما عهد إليهم فيه من معصية الشيطان ، وطاعة الرحمن ، أي : هذا طريق بليغ في الاستقامة ، لا طريق أقوم منه . وفيه إشارة إلى جنايتهم على أنفسهم بعد النصح التام ، فلا حجة بعد الإعذار ، ولا ظلم بعد التذكير والإنذار . { ولقد أضلَّ منكم جبلاً } أي : خلقاً { كثيراً } وفيه لغات مذكورة في كتب القراءات أي : ولقد أتلف الشيطان عن طريقي المستقيم خلقاً كثيراً ، بأن أشركوا معي غيري ، { أفلم تكونوا تعقِلون } قرّعهم على تركهم الانتفاع بالعقل ، الذي ركّبه فيهم ، حيث استعملوه فيما يضرهم ، من تدبير حظوظهم وهواهم . { هذه جهنم التي كنتم تُوعدون } بها ، { اصْلَوْها اليومَ بما كنتم تكفرون } أي : ادخلوا واحترقوا فيها ، بكفركم وإنكاركم لها . { اليوم نَخْتِمُ على أفواهِهِم } أي : نمنعهم من الكلام ، { وتُكلِّمُنا أيديهم وتشهدُ أرجُلُهم بما كانوا يكسِبُون } يُروى : أنهم يجحدون ، ويُخاصمون ، فتشهد عليهم جيرانهم ، وأهاليهم ، وعشائرهم ، فيحلفون : ما كانوا مشركين ، فحينئذ يُختم على أفواههم ، وتتكلم أيديهم وأرجلهم . وفي الحديث : " يقول العبد يوم القيامة : إني لا أُجيزُ عليّ إلا شاهداً من نفسي ، فيُخْتم على فِيهِ ، ويُقال لأركانه : انْطِقي ، فتنطِقُ بأعماله ، ثم يُخَلِّي بينه وبين الكلام ، فيقول : بُعداً لكُنَّ ، وسُحْقاً ، فعنكُنّ كنت أُناضِلُ " . الإشارة : كل مَن آثر حظوظه ومُناه ، ولم يقدر على مجاهدة هواه ، حتى مات محجوباً عن الله ، يلحقه شيء من هذا التقريع . والصراط المستقيم : هو طريق التربية ، التي توصِّل إلى الحضرة ، التي قام ببيانها الأولياء العارفون بالله . ولقد أضلَّ الشيطانُ عنها خلقاً كثيراً ، حملهم على طلب الدنيا والرئاسة والجاه ، فلم يقدروا على التفرُّغ لذكر الله ، ولم يحُطوا رؤوسهم لمَن يُعَرِّفهم بالله ، فيُقال لهم : هذه نار القطيعة التي كنتم تُوعدون ، إن بقيتم مع حظوظكم ورئاستكم ، اصلوها اليوم بكفركم بطريق التربية ، اليوم نختم على أفواههم ، فلا مناجاة بينهم وبين حبيبهم ، وتُكلمنا أيديهم ، وتشهد أرجلهم بلسان الحال أو المقال بما كانوا يكسبون من التقصير . قال القشيري : قوله : { وتُكلمنا أيديهم … } إلخ ، فأمَّا الكفار فشهادةُ أعضائِهم عليهم مؤبدة ، وأما العُصَاةُ من المؤمنين فقد تشهد عليهم أعضاؤهم بالعصيان ، ولكن تشهد عليهم بعض أعضائهم بالإحسان ، وأنشدوا : @ بيني وبينك يا ظلومُ الموقِفُ والحاكم العَدْلُ ، الجوادُ المُنْصِفُ @@ وفي بعض الأخبار المرويةِ : أن عَبْداً شهدت أعضاؤه عليه بالزَّلَّة ، فتطير شَعرة من جفن عينه ، فتشهد له بالشهادة . فيقول الحق تعالى : يا شعرة جَفْنِ عبدي احتَجّي عن عبدي ، فتشهد له بالبكاء من خوفه ، فيغفر له ، وينادي منادٍ : هذا عتيقُ الله بشَعْرَة . هـ . ثم هددّهم في دار الدنيا ، فقال : { وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ … }