Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 167-182)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { وإِن كانوا } أي : مشركو قريش { لَيَقُولون } قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم : { لو أنَّ عندنا ذِكْراً من الأولين } أي : كتاباً من كتب الأولين ، الذين نزل عليهم التوراة والإنجيل ، { لكُنَّا عبادَ الله المخلصين } أي : لأخلصنا لله ، وما كذّبنا كما كذَّبوا ، ولَمَا خالفنا كما خالفوا ، فلما جاءهم الذكر الذي هو سيد الأذكار ، والكتاب الذي هو مهيمن على الكتب ، فكفروا به ، { فسوف يعلمون } عاقبة تكذيبهم ، وما يحلّ بهم من الانتقام . و " إن " مخففة ، واللام فارقة . وفي ذلك أنهم كانوا يقولون ، مؤكّدين للقول ، جادّين فيه ، ثم نقضوا بأشنع نقض ، فكم بين أول الأمر وآخره ! . ثم بشَّر رسولَه بالنصر والعز ، فقال : { ولقد سبقتْ كلمتُنا لعبادنا المرسَلين } أي : وعدناهم بالنصر والغلبة . والكلمةُ هي قوله : { إِنهم لَهُمُ المنصورون } دون غيرهم ، { وإِنَّ جُندَنا لهم الغالبون } وإنما سمّاها كلمةٌ ، وهي كلمات لأنها لَمَّا انتظمت في معنى واحد كانت في حكم كلمة مفردة ، والمراد : الوعد بعلوّهم على عدوهم في مقام الاحتجاج وملاحم القتال في الدنيا ، وعلوهم عليهم في الآخرة . وعن الحسن : ما غُلب نبيّ في حرب قط . وعن ابن عباس رضي الله عنه : إن لم ينتصروا في الدنيا نُصروا في العُقبى . والحاصل : أن قاعدة أمرهم ، وأساسَه ، والغالب منه : الظفَرُ والنصر ، وإن وقع في تضاعيف ذلك شوب من الابتلاء والمحنة فنادر ، والعبرة بالغالب . { فتولَّ عنهم حتى حين } إلى مدة يسيرة . وهي المدة التي أُمهلوا فيها ، أو : إلى بدر ، أو : إلى فتح مكة ، { وأَبْصِرْهُم } أي : أبصر ما ينالهم ، والمراد بالأمر : الدلالة على أن ذلك كائن قريب ، { فسوف يُبْصِرُون } ما قضينا لك من النصر والتأييد ، والثواب الجزيل في الآخرة . و " سوف " للوعيد ، لا للتبعيد . ولَمّا نزل : { فسوف يُبْصرُون } قالوا : متى هو ؟ فنزل : { أفبعذابنا يستعجلون } قبل وقته ؟ { فإِذا نَزَلَ } العذاب { بساحتهم فسَاءَ صباحُ المنذَرِين } صباحهم . واللام للجنس لأن " ساء " و " ليس " يقتضيان ذلك . قيل : هو نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بمكة . وقيل : نزول العذاب بهم يوم القيامة . شبهه بجيش هَجَمَ فأناخ بفنائهم بغتةً . والصباح : مستعار من : صباح الجيش المبيت ، استعير لوقت نزول العذاب . ولَمّا كثرت الغارة في الصباح سموا الغارة صباحاً ، وإن وقعت في غيره . { وتولَّ عنهم حتى حينٍ وأبْصِرْ فسوف يُبصِرون } كُرر ليكون تسلية بعد تسلية ، وتأكيداً لوقوع الوعد إلى تأكيد ، وفيه فائدة ، وهو إطلاق الفعلين معاً عن التقييد بالمفعول ، بعد التقييد له ، إيذان بأنه يُبْصِر من صنوف المسرة ويُبصرون من أنواع المساءة ما لا يفي به نطاقُ العبارة . وقيل : أريد بأحدهما : عذاب الدنيا ، وبالآخر : عذاب الآخرة . { سبحانَ ربك ربِّ العزة } أضيف الربّ إلى العزة لاختصاصه بها ، أو : يريد : أن ما من عزّ لأحد إلا وهو ربها ومالكها ، لقوله : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } [ آل عمران : 26 ] أي : تنزيهاً له عما يصفون من الولد والصاحبة والشريك . { وسلامٌ على المرسلين } عمّم الرسل بالسلام بعدما خصص البعض في السورة لأن في تخصيص كلٍّ بالذكر تطويلاً . { والحمدُ لله ربِّ العالمين } على هلاك الأعداء ، ونصرة الأنبياء . قيل : في ختم السورة بالتسبيح بعدما تضمنته السورة من تخليط المشركين وأكاذيبهم ، ونسبتهم إلى جلاله الأقدس ما لا يليق بجنابه الأرفع ، تعليم للمؤمنين ما يختمون به مجالسهم لأنهم لا يخلو إذا جلسوا مجلساً من فلتة أو هفوة ، وكلمات فيها رضى الله وسخطه ، فالواجب على المؤمن إذا قام من مجلس أن يتلو هذه الآية لتكون مكفرة لتلك السقطات ، ويحمد لِمَا وفق من الطيبات ، ومن ثمَّ قال صلى الله عليه وسلم : " كلمات لا يتكلمُ بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلاث مرات إلا كُفِّرَ بهن عنه ، ولا يقولهن في مجلس خيرٍ ، ومجلس ذكرٍ ، إلا ختم الله بهن ، كما يُخْتَمُ بخاتم على الصحيفة سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد ألا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك " والمراد هو ختم المجلس أو الكلام بالتنزيه . وعن عليّ كرّم الله وجهه : مَن أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة ، فليكن آخر كلامه : { سبحان ربك رب العزة عما يصفون } … الخ . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا سلمتم عليَّ فسلِّموا على المرسلين ، فإنما أنا أحدهم " . الإشارة : ترى بعض الناس يقول : لو ظهر شيخ التربية لكُنَّا من المخلصين ، بصحبته وخدمته ، فلما ظهر كل الظهور جحد وكفر ، وأَنِفَ واستكبر ، وقنع بما عنده من العلم ، فإذا رأى ما ينزل بأهل النسبة من أصحابه ، من الامتحان في أول البادية ، قال : ليس هذه طريق الولاية ، فيقال له : ولقد سبقتْ كلمتُنا لعبادنا المرسلين ، ولِمن كان على قدمهم ، إنهم لَهُمُ المنصورون ، وإِنَّ جندنا لهم الغالبون ، فتولّ عن مثل هذا حتى حين ، وهو وقت هجوم الموت عليه ، وأبصر ما يحلّ به من غم الحجاب ، وسوء الحساب ، فسوف يُبصرون ما يناله أهل النسبة من الاصطفاء والتقريب ، فإذا طلب الكرامة بالانتصار ممن ظلمهم ، فيقال له : { أفبعذابنا يستعجلون … } الآية . والغالب عليهم الرحمة . فإذا أُوذوا قابلوا بالإحسان ، إذ لم يروا الفعل إلا من الرحمن ، فينزهونه بقولهم : { سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين } .