Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 1-10)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { والصافات صفاً فالزاجرات زَجْراً فالتاليات ذكراً } أقسم بطوائف الملائكة ، الصافِّين أقدامهم في مراتب العبادة ، كل على ما أمر به ، فالزاجرات السحاب سوقاً إلى ما أراد الله ، أو : عن المعاصي بإلهام الخير . أو : الشياطين عن التعرُّض لهم . { فالتاليات ذكراً } لكلام الله تعالى من الكتب المنزلة وغيرها ، قاله ابن عباس وابن مسعود وغيرهما . وفيه رد على ابن الصلاح ، حيث قال في فتاويه : إن الملائكة لا تقرأ القرآن ، وإنما قراءته كرامة أكرم الله بها البشر . قال : فقد ورد أن الملائكة لم تُعط ذلك ، فهي حريصة لذلك على استماعه من الإنس ، كما نقله عنه في الإتقان ، فانظره . أو : بنفوس العلماء والعمال ، الصافات أقدامها في التهجُّد وسائر الصلوات ، فالزاجرات بالمواعظ والنصائح ، فالتاليات آيات الله ، والدراسات شرائعه . أو : بنفوس الغزاة في سبيل الله ، التي تصف الصفوف ، وتزجر الخيل للجهاد ، وتتلو الذكر مع ذلك ، لا يشغلهم عنه مبارزة العدو . و { صفاً } : مصدر مؤكد ، وكذلك { زجراً } ، والفاء تدلُّ على الترتيب ، فتفيد فضل المتقدم على المتأخر ، فتفيد الفضل للصف ، ثم للزجر ، ثم للتلاوة ، أو بالعكس . وجواب القسم : { إِنَّ إِلهكم لواحدٌ } لا شريك معه يستحق أن يُعبد ، { وربُّ السماواتِ والأرضِ } وهو خبر بعد خبر ، أو : خبر عن مضمر ، أي : هو { ربُّ السماوات والأرض وما بينهما وربُّ المشارق } أي : مطالع الشمس ، وهي ثلاث مائة وستون مشرقاً ، وكذلك المغارب . تُشرق الشمس كلّ يوم في مشرق منها ، وتغرب في مغرب ، ولا تطلع ولا تغرب في واحد يومين . وأما : { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ } [ الرحمن : 17 ] فإنه أريد مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما . وأما : { رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ } [ المزمل : 9 ] فإنه أريد به الجهة ، فالمشرق جهة ، والمغرب جهة . قال الكواشي : لم يذكر المغارب لأن المشارق تدل عليها . { إِنا زَيَّنا السماءَ الدنيا } القُربى منكم ، تأنيث الأدنى ، { بزينة الكواكب } بالإضافة ، أي : بأن زينتها الكواكب ومَن قرأ بالتنوين والخفض فبدل ، أي : هي الكواكب ، ومَن قرأ بالنصب فعلى إضمار " أعني " ، أو : بدل من محل " بزينة " أي : زيَّنَّا الكواكب ، أو : على إعمال المصدر منوناً في المفعول ، أي : بتزيُّن الكواكب . قال البيضاوي : وركوز الثوابت في الكُوة الثامنة ، وما عدا القمر من السيارات في الست المتوسطة بينهما وبين سماء الدنيا إن تحقق لم يقدح في ذلك ، فإن أهل الأرض يرونها بأسرها كجواهر مشرقة ، متلألئة على سطحها الأزرق . هـ . { وحِفْظاً } من الشياطين ، كما قال : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلْشَّيَاطِينِ } [ الملك : 5 ] أو : بإضمار فعله ، أي : حفظناها حفظاً { من كل شيطانٍ ماردٍ } خارج عن الطاعة ، فيُرمي بالشهب . { لا يسَّمَّعون إِلى الملأ الأعلى } : استئناف لبيان حالهم ، بعد بيان حفظ السماء منهم ، ولا يجوز وصفه لكل شيطان لأنه يقتضي أن يكون الحفظ من شياطين لا يسمعون . والضمير لكلٍّ باعتبار المعنى لأنه في معنى شياطين ، وتعدية { يسمعون } بإلى لتضمُّنه معنى الإصغاء مبالغة في نفيه ، وتهويلاً لما يمنعهم عنه . ومَن قرأ بالتشديد فأصله : " يتَسمَّعون " فأدغم . والتسمُّع : طلب السماع . يقال : تسمّع فسمع أو لم يسمع إذا منعه مانع . والملأ الأعلى هم : الملائكة لأنهم في السموات العُلى ، والإنس والجن هم الملأ الأسفل لأنهم سكان الأرض { ويُقْذَفُون } يُرمون بالشُهب ، { مِن كل جانبٍ } من جميع جوانب السماء ، من أيّ جهة صعدوا للاستراق . { دُحُوراً } مفعول له ، أي : ويُقذفون للدحور ، وهو الطرد ، أو : مدحورين ، على الحال ، أو : لأن القذف والطرد متقاربان في المعنى ، فيكون مصدراً له ، فكأنه قيل : ويُقذفون قذفاً ، { ولهم عذابٌ } آخر { واصبٌ } دائم ، أو شديد ، وهو عذاب الآخرة ، أو : عذاب الدنيا لأنه دائم الوجوب لأنهم في الدنيا مرجمون بالشهب دائماً ، { إِلا مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ } " مَنْ " : بدل من ضمير " يسمعون " ، أي : لا يتسمّع الشياطين إلا الشيطان الذي خَطِفَ الخطفةَ ، أي : اختلس شيئاً من كلام الملائكة بسرعة ، { فَأَتْبَعه شِهَابٌ ثاقبٌ } أي : نجم مضيء يثقبه ، أو يحرقه ، أو يخبله ، ومنه تكون الغيلان . والله تعالى أعلم . الإشارة : أقسم الحق تعالى بصفوف الذاكرين ، الزاجرين للخواطر عن قلوبهم ، في طلب الحضور ، التالين لذكر ربهم لرفع الستور ، إنه منفرد في ألوهيته ، متوحِّد في ربوبيته إذ هو ربُّ كل شيء ، ربُّ سموات الأرواح ، وربُّ أرض النفوس والأشباح ، وربُّ مشارق أنوار العرفان ، وهي قلوب أهل العيان ، ولم يذكر المغارب لأن شمس القلوب إذا طلعت ليس لها مغيب . قوله تعالى : { إِنا زَيَّنا السماءَ الدنيا … } إلخ ، قال القشيري : زيَّن السماء بالنجوم ، وزيَّن قلوب أوليائه بنجوم المعارف والأحوال . هـ . وقوله تعالى : { وحِفظاً من كل شيطان مارد } قال القشيري : كذلك حفظ القلوب بأنوار التوحيد ، فإذا قَرُبَ منها الشيطان رَجَمَهَا بنجوم معارفهم ، إلا مَن خَطِفَ الخطفة ، كذلك إذا اغتنم الشيطان من الأولياء أن يُلْقِيَ شيئاً من وساوسه تَذَكَّروا ، فإذا هم مُبْصِرون . هـ . وقال في لطائف المنن : إن الله تعالى إذا تولى وليًّا صان قلبه من الأغيار ، وحرسه بدوام الأنوار ، حتى لقد قال بعض العارفين : إذا كان سبحانه قد حرس السماء بالكواكب والشُّهب كي لا يسترق السمع منها ، فقلبُ المؤمن أولى بذلك ، لقول الله سبحانه ، فيما يحكيه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم تسعني أرضي ولا سمائي ، ووسعني قلب عبدي المؤمن " والمراد : المؤمن الكامل ، الذي تولّى الله حفظه ، وهو الولي العارف . ثم ردّ على من أنكر البعث بعد هذه الدلائل الباهرة ، فقال : { فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ … }