Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 51-61)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { قال قائِلٌ منهم } أي : من أهل الجنة { إِني كان لي قَرِينٌ } في الدنيا ، قيل : كان شيطاناً ، وقيل : من الإنس ، ففيه التحفُّظ من قرناء السوء ، وقيل : كانا شريكين بثمانية آلاف دينار ، أحدهما : قطروس ، وهو الكافر ، والآخر : يهوذا ، المؤمن ، فكان أحدهما مشغولاً بعبادة الله ، وكان الآخر مُقبلاً على ماله ، فحلَّ الشركة مع المؤمن ، وبقي وحده لتقصير المؤمن في التجارة ، وجعل الكافر كلما اشترى شيئاً من دار ، أو جارية ، أو بستان ، عرضه على المؤمن ، وفخر عليه ، فيمضي المؤمن ، ويتصدّق بنحو ذلك ، ليشتري به من الله تعالى في الجنة . فكان من أمرهما في الجنة ما قصّه اللهُ تعالى في هذه الآية . قال السهيلي : هما المذكوران في سورة الكهف بقوله : { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ … } [ الكهف : 32 ] إلخ . { يقول } أي : قرين السوء ، لقرينه المؤمن في الدنيا : { أَئِنَّك لمِنَ المُصدِّقين } بالبعث ؟ { أَئِذَا مِتْنا وكنا تراباً وعظاماً أَئِنا لمدينون } لمحاسبون ومجزيون بأعمالنا ؟ من : الدين ، وهو الجزاء . { قال } ذلك القائل لمَن معه في الجنة : { هل أنتم مُطَّلِعُون } معي إلى النار ، لأريكم حال ذلك القرين . قيل : إن في الجنة كُوىً ينظر أهلُها منها إلى أهل النار . قلت : حال الجنة كله خوارق ، فيُكشف لهم عن حال أهل النار كيف شاء . وقيل : القائل : هو الله ، أو : بعض الملائكة . يقول لهم : هل تُحبون أن تطلعوا على أهل النار ، لأريكم ذلك القرين ، أو : لتعلموا منزلتكم من منزلتهم . قال الكواشي : أو : إن المؤمن يقول لإخوانه من أهل الجنة : هل أنتم ناظرون أخي في النار ؟ فيقولون له : أنت أعرف به منا ، فانظر إليه . { فاطَّلَع } على أهل النار { فرآه } أي : قرينه { في سواءِ الجحيم } في وسطها . { قال تالله إِنْ كِدتَّ لتُردِينِ } لتُهلكني بإغوائك . و " إن " مخففة ، واللام : فارقة ، أي : إنه قربت لتهلكني ، { ولولا نعمةُ ربي } عليَّ بالهداية ، والعصمة ، والتوفيق للتمسُّك بعروة الإسلام ، { لكنتُ من المحْضَرين } معك ، أو : من الذين أُحضروا العذاب ، كما أُحْضِرْتَه أنت وأمثالك . { أفما نحن بميتين إِلا مَوْتتنا الأولى وما نحن بمعذَّبين } الفاء للعطف على محذوف ، أي : أنحن مخلّدون فما نحن بميتين ولا معذّبين . وعلى هذا يكون الخطاب لرفقائه في الجنة ، لما رأى ما نزل بقرينه ، ونظر إلى حاله وحال رفقائه في الجنة ، تحدُّثاً بنعمة الله . أو : قاله بمرأى من قرينه ومسمع ليكون توبيخاً له ، وزيادة تعذيب ، ويحتمل أن يكون الخطاب لقرينه ، كأنه يقول : أين الّذي كنت تقول في الدنيا من أنَّا نموت ، وليس بعد الموت عقاب ولا عذاب ؟ كقوله : { إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأُولَى } [ الدخان : 35 ] والتقدير : أكما كنت تزعم هو ما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى ، وما نحن بمعذَّبين ، بل الأمر وقع خلافَه ، وكان يقال له : نحن نموت ونُسأل في القبر ، ثم نموت ونحيا ، فيقول : ما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذَّبين . وقوله تعالى : { إِنَّ هذا لهو الفوزُ العظيمُ … } إلخ ، يحتمل أن يكون من خطاب المؤمن لقرينه ، وأن يكون من خطاب الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ، أي : إن هذا النعيم الذي نحن فيه لهو الفوز العظيم . ثم قال الله عزّ وجل : { لمِثْلِ هذا فليعملِ العاملون } أي : لنيل مثل هذا يجب أن يعمل العاملون ، لا للحظوظ الدنيوية ، المشوبة بالآلام ، السريعة الانصرام . أو : لمثل هذا فليجتهد المجتهدون ، ما دام يُمكنهم الاجتهاد ، فإنَّ الدنيا دار عمل ، والآخرة دار جزاء ، فبقدر ما يزرع هذا يحصد ثَمَّ ، وسيندم المفرط إذا حان وقت الحصاد . الإشارة : تنسحب الآية من طريق الإشارة على مَن رام النهوض إلى الله ، بصحبة الرجال في طريق التجريد ، فينهاه رفقاؤه ، فيخالفهم ، وينهض إلى الله ، فإذا كان يوم القيامة رُفع مع المقربين ، فيقول لهم : إني كان قرين يُنكر طريقَ الخصوص ، وينهاني عن صحبتهم ، فيطلع عليه ، فيراه في أسفل الجنة ، مع عامة أهل اليمين ، فيحمد الله على مخالفته ، ويقول : لولا نعمةُ ربي لكنتُ من المحضَرِينَ معك . قال القشيري : فيقول الوليُّ له : إن كدتَّ لتُردين ، لولا نعمةُ ربي . نطقوا بالحق ، ولكنهم لم يُصَرِّحوا بعين التوحيد إذ جَعَلوا الفضلَ واسطة ، والأَوْلى أن يقول : ولولا ربي لكنتُ من المحضَرين . ثم يقول : لمثل هذا فليعملِ العاملون . ثم قال : فإذا بدت شظيةٌ ، من الحقائق ، أو ذَرةٌ من نسيم القربة ، فبالحريِّ أَن يقول القائل : لمِثل هذا الحال تُبذلُ الأرواحُ ، وأنشدوا : @ على مِثْلِ ليلى يَقْتُلُ المرءُ نَفْسَه وإِن بات من ليلى على اليأس طاويا @@ ثم قال تعالى : { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ … } .