Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 12-15)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { كذَّبت قبلهم } أي : قبل أهل مكة { قومُ نوح } نوحاً ، { وعادٌ } هوداً { وفرعونُ } موسى ، { ذو الأوتاد } ، قيل : كانت له أربعة أوتاد وحبال يلعب بها أو عليها بين يديه ، وقيل : كان يوتّد مَن يعذب بأربعة أوتاد في يديه ورجليه ، ويتركه حتى يموت . وقيل : كان يرسل عليه عقارب وحيّات . وقيل : معناه : ذو المُلك الثابت ، من : ثبات البيت المُطَنَّب بأوتاده ، فاستعير لرسوخ السلطنة ، واستقامة الأمر ، كقول الشاعر : @ ولقد غَنَوا فيها بأَنْعَمِ عيشةٍ في ظلِّ مُلْكٍ ثَابِتِ الأَوْتَادِ @@ { وثمودُ } وهم قوم صالح ، { وقومُ لوط } كذَّبوا لوطاً ، { وأصحابُ الأيكةِ } أصحاب الغيضة كذَّبوا شُعيباً عليه السلام ، { أولئك الأحزابُ } : بدلٌ من الطوائف المذكورة . وفيه فضل تأكيد وتمهيد لما يعقبه ، وأراد بهذه الإشارة الإعلام بأن الأحزاب الذين جعل الجند المهزوم منهم هم هؤلاء الطوائف ، وأنهم الذين وجد منهم التكذيب ، ولذلك قال : { إِن كلٌّ إِلا كذَّب الرسلَ } أي : ما كل أحد من آحاد أولئك الأحزاب ، أو : ما كل حزب منهم إلا كذّب الرسل لأن تكذيب واحد منهم تكذيب لجميعهم لاتفاق الكل على الحق ، أو : ما كل حزب إلا كذَّب رسوله ، على نهج مقابل الجمع بالجمع . وأيًّا ما كان فالاستثناء مفرغ من أعم [ العلل ] في خبر المبتدأ ، أي : ما كل أحد منهم محكوم عليه بحكم إلا أنه كذب الرسل ، { فحقَّ عقاب } أي : فوجب لذلك أن أُعاقبهم حق العقاب ، التي كانت توجبه جناياتهم من أصناف العقوبات . { وما ينظر هؤلاء } أي : وما ينتظر أهل مكة . وفي الإشارة إليهم بهؤلاء تحقير لشأنهم ، وتهوين لأمرهم ، أي : وما ينتظر هؤلاء الكفرة الذين هم أمثال أولئك الطوائف المهلكة في الكفر والتكذيب ، { إِلا صيحةً واحدة } وهي النفخة الثانية لما فيها من الشدة والهول ، فإنها داهية ، يعم هولها جميع الأمم ، برَّها وفاجرها . والمعنى : أنه ليس بينهم وبين حلول ما أعدّ الله لهم من العقاب إلا نفخة البعث ، أُخرت عقوبتهم إلى الآخرة لأن حلولها بهم في الدنيا يوجب الاستئصال ، وقد قال تعالى : { وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } [ الأنفال : 33 ] فأخرت ليوم القيامة . وأما ما قيل من أنها النفخة الأولى فمما لا وجه له لأنه لا يشاهد هولَها ، ولا يصعَق بها إلا مَن كان حيًّا عند وقوعها . قاله أبو السعود . { ما لها من فَوَاقٍ } أي : مِن توقُّف مقدار فواق ، هو ما بين حلبتي الحالب ، أي : إذا جاء وقتها لم تستأخر هذا القدر من الزمان . وعن ابن عباس : ما لها من رجوع وترداد ، من أفاق المريض إذا رجع إلى الصحّة ، وفواق الناقة : ساعة يرجع الدرّ إلى ضرعها . يريد : أنها نفخة واحدة ، لا تثنى ، ولا تردد . والفواق بمعنى التأخر ، فيه لغتان : الفتح والضم ، وأما ما بين حلبتي الناقة ، فبالضم فقط . الإشارة : ما جرى على مكذبي الرسل يجري في مكذِّبي الأولياء ، إلاَّ أن عذابهم البُعد والطرد ، وحرمان معرفة العيان . وبالله التوفيق . ثم ذكر استعجالهم العذاب ، فقال : { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا } .