Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 22-22)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : الهمزة للإنكار ، و { من } : مبتدأ ، والخبر محذوف ، أي : كمَن ليس كذلك . يقول الحق جلّ جلاله : { أفمَنْ شرحَ الله صَدْرَه } أي : وسَّعه وهيَّأه { للإسلام } حتى قَبِله وفرح به ، واستضاء بنوره ، { فهو على نورٍ } عظيم { من ربه } ، وبصيرة في دينه ، وهذا النور : هو اللطف الإلهي الفائض عليه عند مشاهدة الآيات التكوينية والتنزيلية ، والتوفيق للاهتداء بها ، أو : بمحض الإلهام من الجود والكرم ، فيقذف في قلبه نور اليقين ، بلا سبب ، أو : بصحبة أهل النور ، هل يكون هذا كمَن قسا قلبه ، وحرج صدره ، واستولى عليه ظلمة الغي والضلالة ، فأعرض عن تلك الآيات بالكلية ؟ ! ولما نزلت هذه الآية سئل صلى الله عليه وسلم عن الشرح المذكور ، فقال : " نور يقذفه الله في القلب ، فإذا دخل النور القلب انشرح وانفسح " قيل : وهل لذلك علامة ؟ قال : " نعم التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل نزوله " . { فويلٌ للقاسيةِ قلوبهم } : أي الصلبة اليابسة { مِن ذكر الله } أي : من أجل ذكره ، الذي من حقه أن ينشرح له الصدر ، وتلين له النفس ، ويطمئن به القلب ، وهؤلاء إذا ذكر الله عندهم اشمأزوا من أجله ، وازدادت قلوبهم قساوة . قال الفخر : اعلم أن ذكر الله سبب لحصول النور والهداية ، وزيادة الاطمئنان في النفوس الطاهرة الروحانية ، وقد يوجب القسوة والبُعد عن الحق في النفوس الخبيثة الشيطانية ، فإذا عرفتَ هذا ، فنقول : رأس الأدوية التي تفيد الصحة الروحانية ورتبتها : هو ذكر الله ، فإذا اتفق لبعض النفوس أن صار ذكر الله سبباً لازدياد مرضها ، كان مرض تلك النفوس مرضاً لا يرجى زواله ، ولا يُتوقع علاجه ، وكانت في نهاية الشر والرداءة ، فلهذا المعنى قال تعالى : { فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين } وهذا كلام محقق . هـ . وهو كما قيل في الجُعَل أنها تتضرر برياح الورد ، أي : وتنتعش بالشين . فكل مَن يفر من ذكر الله ، ويثقل عليه ، فقلبه جُعَل . ذكره في الحاشية . { أولئك في ضلال مبين } أي : أولئك ، البُعَداء الموصوفون بما ذكر من قساوة القلوب في ضلال بعيد من الحق ، ظاهر ضلاله لكل أحد . قيل : نزلت الآية في حمزة وعليّ رضي الله عنهما وأبي لهب وولده ، وقيل : في عمّار وأبي جهل . والحق : إنها عامة . الإشارة : مَن أراد الله به السعادة شَرَح صدرَه للإسلام ، فقَبِله وعمل عمله ، ومَن أراد به جذب العناية وتحقيق الولاية ، شرح صدره لطريق أهل مقام الإحسان ، فدخل في طريقهم ، وهيّأ نفسه لصُحبتهم وخدمتهم ، فما زال يقطعون به مهامه النفوس حتى يقولون له : ها أنت وربك ، فتلوح له الأنوار ، وتُشرق عليه شموس المعارف والأسرار ، حتى يفنى ويبقى بالله . قال القشيري : والنورُ الذي من قِبَله تعالى نورُ اللوائح بتحقق العلم ، ثم نورُ اللوامع بثبات الفهم ، ثم نورُ المحاضرة بزوائد اليقين ، ثم نور المكاشفة بتجلي الصفات ، ثم نور المشاهدة بظهور الذات ، ثم أنوار الصمدية بحقائق التوحيد ، وعند ذلك فلا وجد ولا فقد ، ولا بُعد ولا قُرب ، كلا ، بل هو الله الواحد القهّار . هـ . فمَن لم يبلغ هذا لا يخلو قلبه من قساوة ، فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ، أولئك في ضلال مبين . ثم ذكر سبب لين القلوب ، وهو كتاب الله العزيز ، فقال : { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ } .