Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 23-23)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { كتاباً } : بدل من { أحسن } ، أو : حال ، لوصفه بقوله : { متشابهاً } . و { مثاني } : صفة أخرى لكتابِ ، أو : حال أخرى منه ، أو : تمييز من " متشابهاً " ، كما تقول : رأيت رجلاً حسناً شمائلَ ، أي : شمائله ، والمعنى : متشابهة مثانيه . و { تقشعر } : الأظهر أنه استئناف ، وقيل : صفة لكتاب ، أو : حال منه . يقول الحق جلّ جلاله : { اللهُ نزَّل أحسنَ الحديثِ } وهو القرآن إذ لا حديث أحسن منه ، لا تمله القلوب ، وتسأمه الأسماع بل تِرداده يزيده تجمُّلاً وطراوة وتكثير حلاوة . رُوي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مَلُّوا ملةً ، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : حدثنا حديثاً ، فنزلت . والمعنى : أن فيه مندوحة عن سائر الأحاديث . وفي إيقاع اسم الجلالة مبتدأ ، وبناءِ " نزّل " عليه ، من تفخيم أحسن الحديث ، ورفع محله ، والاستشهاد على حسنه ، وتأكيد إسناده إليه تعالى ، وأنه من عنده ، لا يمكن صدوره من غيره ، والتنبيه على أنه وحي معجز ، ما لا يخفى . حال كونه { كتاباً مُتشابهاً } أي : يُشبه بعضُه بعضاً في الإعجاز والبلاغة ، أو : تشابهت معانيه بالصحة ، والإحكام ، والابتناء على الحق والصدق ، واستتباع منافع الخلق في المعاد والمعاش ، وتناسب ألفاظه وجُمَلِه في الفصاحة والبلاغة ، وتجاوب نظمه في الإعجاز . { مَّثَانِيَ } : جمع مثنى ، أي : مكرر ، ومردد ، لما ثنى من قصصه ، وأنبائه ، وأحكامه ، وأوامره ونواهيه ، ووعده ووعيده ، ووعظه . وقيل : لأنه يثنّى في التلاوة ، ويُكرر مرة بعد أخرى . قال القشيري : ويشتمل على نوعي الثناء عليه ، بذكر سلطانه وإحسانه ، وصفة الجنة والنار ، والوعد والوعيد . هـ . { تَقْشَعِرُّ منه جُلودُ الذين يخشون ربهم } أي : ترتعد وتنقبض ، والاقشعرار : التقبُّض ، يقال : اقشعرّ الجلد : إذا انقبض ، ويقال : اقشعر جلده ووقف شعره : إذا عرض له خوف شديد ، من منكر هائل دهمه بغتة . والمعنى : أنهم إذا سمعوا القرآن وقوارعه وزواجره ، أصابتهم هيبة وخشية تقشعر منه جلودهم ، وإذا ذكروا رحمة الله تعالى تبدلت خشيتهم رجاءً ، ورهبتهم رغبةً ، وذلك قوله تعالى : { ثم تَلينُ جُلودُهم وقلوبُهم إِلى ذكرِ الله } أي : ساكنة مطمئنة إلى ذكر الله . { ذلك } أي : الكتاب الذي شُرِح أحواله { هُدَى اللهِ يهدي به مَن يشاءُ } أن يهديه ، بصرف مجهوده إلى سبب الاهتداء به ، أو بتأمله فيما في تضاعيفه من شواهد الحقيقة ، ودلائل كونه من عند الله . { ومَن يُضللِ اللهُ } أي : يخلق فيه الضلالة ، بصرف قدرته إلى مبادئها ، وإعراضه عما يرشد إلى الحق بالكلية ، وعدم تأثُّره بوعده ووعيده ، أو : مَن يخذله { فما له من هَادٍ } يُخلصه من ورطة الضلال . أو : ذلك الذي ذكر من الخشية والرجاء هو أثر هدى الله ، يهدي لذلك الأثر مَن يشاء من عباده ، { ومَن يُضلل } أي : ومَن لم يؤثر فيه لطفه وهدايته لقسوة قلبه ، وإصراره على فجوره { فما له من هادٍ } : من مؤثر فيه بشيء قط . الإشارة : أول ما يظهر الفتح على قلب العبد في فَهْم كتاب الله ، والتمتُّع بحلاوة تلاوته ، ثم ينتقل إلى الاستغراق في ذكره باللسان ، ثم بالقلب ، ثم إلى الفكرة ، ثم العكوف في الحضرة ، إن وجد مَن يربيه وينقله عن هذه المقامات ، وإلا بقي في مقامه الأول . وقال الطيبي : مَن أراد الله أن يهديه بالقرآن ، أوقع في قلبه الخشية ، كقوله : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] ثم يتأثر منه ظاهراً ، بأن تأخذه في بدء الحال قشعريرة لضعفه ، وقوة سطوة الوارد ، فإذا أدمن على سماعه ، وأَلِفَ أنواره ، يطمئن ويلين ويسكن . هـ . قلت : وعن هذا عبّر الصدّيق بقوله حين رأى قوماً يبكون عند سماعه : كذلك كنا ثم قست القلوب أي : صلبت وقويت على حمل الواردات . وقال الورتجبي : سماع المريدين بإظهار الحال عليهم ، وسماع العارفين بالطمأنينة والسكون . هـ . وقال على قوله : { متشابهاً } : إنه أخبر عن كلية الذات والصفات ، التي منبعهما أصل القدم ، وصفاته كذاته ، وذاته كصفاته ، وكل صفة كصفة أخرى ، من حيث التنزيه والقدس والتقديس ، والكلام بنفسه متشابه المعاني . هـ . يعني : إنما كان القرآن متشابهاً لأنه أخبر عن كلية الذات والصفات القديمين ، والذات لها شبه بالصفات من حيث اللطافة ، والصفات تشبه بعضها بعضاً في الدلالة على التنزيه والكمال ، أي : كتاباً دالاًّ على كلية الذات المشابهة للصفات . وهذا حملٌ بعيد . ثم ذكر مثال المهتدي والضال ، فقال : { أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } .