Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 24-26)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { وقيل } : عطف على " يتقي " ، أو : حال من ضمير " يتقي " ، بإضمار " قد " . يقول الحق جلّ جلاله : { أفمَنْ يتقي بوجهِهِ } الذي هو أشرف أعضائه { سوء العذاب } أي : العذاب السيىء الشديد { يومَ القيامة } كمَن ليس كذلك ، بل هو آمن ، لا يعتريه مكروه ، ولا يحتاج إلى اتقاء ، بوجه من الوجوه ، وإنما كان يتقي النارَ بوجهه لكون يده التي كان يتقي بها المكاره والمخاوف مغلولة إلى عنقه . قال القشيري : قيل : إن الكافر يُلقى في النار ، فيلقاها أولاً بوجهه لأنه يُرمَى فيها منكوساً فأما المؤمن المُوقَّى ذلك فهو المُلقَّى بالكرامة ، فوجهُهُ ضاحكٌ مُسْتَبْشرٌ . هـ . { وقيل للظالمين } : يقال لهم من جهة خزنة النار . وصيغة الماضي للدلالة على التحقُّق . ووضع المظهر في مقام المضمر للتسجيل عليهم بالظلم ، والإشعار بعلة الأمر في قوله : { ذُوقوا ما كنتم تكسبون } أي : وبال ما كنتم تكسبونه في الدنيا ، من الظلم بالكفر والمعاصي . { كذَّبَ الذين مِن قبلهم } من الأمم السالفة ، { فأتَاهمُ العذابُ } المقرر لكل أمة { من حيث لا يشعرون } من الجهة التي لا يحتسبون ، ولا يخطر ببالهم إتيان الشر منها . { فأذاقهم اللهُ الخزيَ } أي : الذل والصغار { في الحياة الدنيا } ، كالمسخ ، والخسف ، والقتل ، والأسر ، والإجلاء ، وغير ذلك من فنون النكال ، { ولعذابُ الآخرة } المعد لهم { أكبرُ } لشدته ودوامه { لو كانوا يعلمون } أي : لو كان من شأنهم أن يعلموا شيئاً لعلموا ذلك واعتبروا به . والآية ، يحتمل أن تكون تهديداً لقريش ، فالضمير في { قَبْلِهم } يعود إليهم لأن قوله : { ومَن يُضلل الله } … إلخ تعرض بمَن أعرض عن كتابه من كفار قريش . وقال أبو السعود : هو استئناف ، مسوق لبيان ما أصاب بعض الكفرة من العذاب ، إثر بيان ما يصيب الكل من العذاب الأخروي . هـ . الإشارة : الوجه هو أشرفُ الأعضاء وإِمَامُها ، فإن كانت في الباطن بهجة المحبة ، أو سيما المعرفة ، ظهرت عليه ، فيتنورُ ويبتهج ، وإن كانت ظلمة المعاصي ، أو كآبة الحجاب ، ظهرت عليه ، وإن كانت غيبة في الحق أو سكرة ، كان هو أول ما يغيب من الإنسان ويغرق ، ثم تغيب البشرية في البحر المحيط ، وهو بحر الأحدية . وقوله تعالى : { فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون } ، قال القشيري : أشدُّ العذاب ما يكون بغتةً ، كما أن أتمَّ السرور ما يكون فلتةً . وفي الهجران والفراق والشدة ما يكون بغتةً غير متوقعة ، وهو أنكى للفؤاد ، وأشدُّ في التأثير ، وأوجعه للقلوب ، وفي معناه أنشدوا : @ فَبِتَّ بخيرٍ والدُّنى مطمئنةٌ فأصبحتَ يوماً والزمانُ تقَلُّبَا @@ وأتمُّ السرور وأعظمه تأثيراً ما يكون فجأة ، حتى قال بعضهم : أشد السرور غفلة على غفلة ، وأنشدوا : @ بينما خاطرُ المُنى بالتلاقي سابحٌ في فؤاده وفؤادي جمَعَ اللهُ بيننا فالتقيْنا هكذا بغتةً بلا ميعاد @@ ولمَّا بيَّن وبال مَن أعرض عن أحسن الحديث ، بيَّن فضله وشرفه ، فقال : { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ } .