Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 68-70)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { ونُفخ في الصُّورِ } النفخة الأولى { فصَعِقَ مَنْ في السماوات ومَنْ في الأرض } أي : خرّ ميتاً ، أو مغشياً عليه ، { إِلا مَن شاء اللهُ } قيل : جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ، ثم يُميتهم الله بعد ذلك ، وقيل : حمَلَة العرش ، وقيل : خزَنة النار والجنة . { ثم نُفخ فيه أُخرى } هي النفخة الثانية . و " أخرى " : في محل الرفع صفة لمحذوف ، أي : نفخ نفخة أخرى ، { فإِذا هم قيام } من قبورهم ، حال كونهم إذا فاجأهم خطب { ينظرون } يُقلبون أبصارهم في الجوانب الأربعة ، كالمبهوتين ، أو : ينظرون ما يفعل بهم ، ودلت الآية على أن النفخة اثنتان للموت ، والبعث ، وقيل : ثلاث للفزع ، والموت ، والبعث . { وأشرقت الأرضُ } أضاءت { بنور ربها } حين يتجلّى لفصل عباده ، فتُشرق الأرض أي : عرَصَات القيامة بنور وجهه ، ويقال : إن الله يخلق في القيامة نوراً يلبسه وجهَ الأرض ، فتشرق به . قال في الحاشية الفاسية : وهذا القول هو الذي اختاره محيي السنة ، وانتصر له الطيبي ، بما ورد من الأحاديث المقتضية لرؤيته في عرصات القيامة ، قال : وما تعسف الزمخشري ، من حمل النور على العدل ، إلا فراراً من ذلك . هـ . قال القشيري : هو نور يخلقه في القيامة ، عند تكوير الشمس ، وانكدار النجوم ، ويستضيء به قومٌ دون قوم ، والكفارُ يَبْقَون في الظلمة ، والمؤمنون : { يَسْعَى نُورُهُم } [ الحديد : 12 ] الآية . ويقال : غداً إشراق الأرض ، واليوم إشراق القلب ، غداً أنوار التولي ، واليوم أنوار التجلي . هـ . وقال السدي : بعدله ، على الاستعارة ، يقال للملك العادل : أشرقت الأرض بعدله ، كما استعيرت الظلمة للظُلم . وفي الحديث : " الظلم ظلمات يوم القيامة " . { ووُضِع الكتابُ } أي : صحائف الأعمال . اكتفى باسم الجنس ، أو : كتاب المحاسبة والجزاء . { وجيء بالنبيين } ليسألهم ربهم عما أجابتهم به أممهم ، { والشهداء } أي : الحفظة ، ليشهدوا على كل إنسان بما عمل ، والذين يشهدون للرسل بتبليغ الرسالة إذا جحدتهم أممهم ، أو : الذين استُشهدوا في سبيل الله . { وقُضِيَ بينهم } : بين العباد { بالحق وهم لا يُظلَمُون } بنقص ثواب ، أو زيادة عقاب ، قال ابن عطية : الضمير في { بينهم } عائد على العالم بأجمعه . هـ . فيقتضي دخول الملائكة ، ويتصور القضاء في حقهم ، من حيث جعلوا حفظة على العباد ، وأمناء على الوحي والتبليغ ، وغير ذلك من ترتيبهم في مقاماتهم ، وترقيهم في علومهم ، وتفاوتهم في ذلك . وفي وجوه تخصيصاتهم وتصديقهم في التبليغ ، ورد ما استندوا فيه لظواهر الأمور ، مع علمه تعالى خلافه ، مما لا اطلاعَ لهم عليه . قاله في الحاشية . { ووُفِّيت كلُّ نفسٍ } جزاء { ما عملَتْ وهو أعلم بما يفعلون } فلا يفوته شيء من أفعالهم . ومضمون الآية : تصوير التعرُّض للقضاء بين العباد على ما هو شأن الملك ، من إحضار الشهود وخواص حضرته ، حين يبرز لذلك ، ويشهده الظالم والمظلوم ، وإن كان كنه معرفته موكولاً إليه ، ثم من لوازم ذلك العدل . والله تعالى أعلم . الإشارة : في الآية إشارة للفناء والبقاء ، فيصعق العبد عن رؤية وجوده ، ثم يبقى بربه ، فتشرق أرض البشرية بنور وجود الحق ، ثم يشرق العالم كله . قال الورتجبي : نفخة الصعق قهرية جلالية ، ونفخة البعث ظهور أنوار جماله في أنوار جلاله ، وبذلك ينتظر وقوع نور الكشف بقوله : { وأشرقت الأرضُ بنور ربها } فيتجلّى للخواص ، ثم تستضيء بأنوارهم أرض المحشر ، للعموم والخصوص ، تعالت صفاته عن أن تقع على الأماكن ، أو أن يكون محلاًّ للحدثان ، يا عاقل ، لا تكون ذرة من العرش إلى الثرى إلا وهي مستغرقة في أنوار إشراق آزاله وآباده . ثم قال عن بعضهم : إلا مَن شاء الله هم أهل التمكين ، مكّن الله أسرارهم من تحمُّل الواردات . ثم ذكر نتيجة الفصل بين العباد ، فقال : { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً } .