Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 67-67)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { وما قَدرُوا اللهَ حقَّ قَدْرِه } أي : ما عظَّموه حق تعظيمه حيث جعلوا له شريكاً ، أو وصفوه بما لا يليق بشؤونه الجليلة ، أو : حيث دعوك إلى عبادة غيره تعالى ، أو : ما عرفوه حق معرفته ، حيث لم يؤمنوا بقدرة الله تعالى . قال ابن عباس : فمَن آمن أن الله على كل شيء قدير ، فقد قدر الله حق قدره . يقال : قدرت الشيء : إذا حزرته لتعرف مبْلغه ، والقدر : المقدار . والضمير ، إما لقريش ، المحدث عنهم ، وقيل : لليهود ، حيث تكلّموا في صفات الله تعالى ، فألحدوا وجسّموا . ثم بيَّن لهم شيئاً من عظمته تعالى ، فقال : { والأرضُ جميعاً قبضَتُه يومَ القيامةِ والسماواتُ مطويات بيمينهِ } : فـ " جميعاً " : حال من الأرض لأنه بمعنى الأرضين ، أي : والأرضون جميعاً مقبوضة له بقدرته يوم القيامة . { والسماوات مطويات بيمينه } أي : بقدرته . والقبضة : المرة من القبض ، والقُبْضة : المقدار المقبوض بالكف ، والمراد من الكلام : تصوير عظمته تعالى ، والتوقيف على كنه جلاله ، وأن تخريب هذا العالم هو عليه شيء هين ، على طريقة التمثيل والتخييل ، من غير اعتبار القبضة واليمين حقيقة ، ولا مجازاً ، هكذا قال جمهور المفسرين . قلت : لا يبعد أن تحمل الآية على ظاهرها ، فإن الله تعالى يُبدل الأرض ويجمعها بأجمعها ، فتكون كخبزة النقي ، ويطوي السماء كطي الكتاب ، حتى يبرز العرش ، كما في الحديث ، ففي حديث البخاري ، عن أبي سعيد الخدري ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " تكون الأرضُ يومَ القيامة خبزةً واحدةً ، يتكفؤُها الجبارُ بيده ، كما يتكفؤُ أحدُكم خُبْزَته في السفر ، نُزُلاً لأهل الجنة " وفي حديث أبي هريرة : " إن الله يقبض الأرض ، ويطوي السماء بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض " . وقال ابن عمر : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر ، وهو يحكي عن ربه تعالى ، فقال : " إن الله تعالى إذا كان يوم القيامة ، جمع السماوات والأرضين السبع في قبضته ، ثم قال هكذا ، وشدّ قبضته ، ثم بسطها ، ثم يقول : أنا الله ، أنا الرحمن … " الحديث . وفي لفظ آخر : " يطوي الله السماوات يوم القيامة ، ثم يأخذهن بيده اليمنى ، ثم يقول : أنا الملك ، أين الجبارون أين المتكبرون ؟ " وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية : " كل ذلك في يمينه ، وليس في يده الأخرى شيء ، وإنما يستعين بشماله المشغولُ بيمينه ، وما السماوات السبع ، والأرضون السبع ، في يد الله تعالى ، إلا كخردلة في يد أحدكم ، ولهذا قال : { مطويات بيَمينِهِ } : يعني السماوات والأرضين كلها بيمينه " قلت : من كَحل عين بصيرته بإثمد التوحيد الخاص ، لا تصعب عليه هذه الأمور إذ تجليات الحق لا تنحصر ، فيمكن أن يتجلى من نور جبروته بنور يشاكل الآدمي في الأعضاء كلها ، فيكون له ذات لها يدان وقدمان ، وبه ورد أن الله يضع قدمه على النار ، فتقول : قط قط ، ويكشف عن ساقه لأهل الموقف ، ويتقدمهم للجنة ، إلى غير ذلك مما ورد في الحديث .