Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 100-100)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : المراغَم : المهرب والمذهب . قاله في القاموس . وقال البيضاوي : يجد متحولاً ، من الرغام وهو التراب . وقيل : طريقًا يراغم قومه بسلوكه فيها ، أي : يفارقهم على رغم أنوفهم ، وهو أيضًا من الرغام . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ومن يهاجر في سبيل الله } لإعلاء كلمة الله وإقامة دينه ، { يجد في الأرض } فضاءً كثيرًا ، ومتحولاً كبيرًا يتحول إليه ، وسعة بدلاً من ضيق ما كان فيه ، من قهر العدو ومنعه من إظهار دينه ، أو سعةٌ في الرزق ، وبسطًا في المعيشة ، فلا عذر له في المقام في مكان مُضَيَّقٍ عليه فيه في أمر دينه ، { ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله } وجهادٍ في سبيله ، { ثم يُدركه الموت } قبل وصوله فقد ثبت أجرُه ، ووجب على الله وجوب امتنان أن يبلغه قصده بعد موته ، { وكان الله غفورًا } لما سلف له من عدم المبادرة ، { رحيمًا } به ، حيث بلَّغه مأمولَه . نزلت في جُندع بن ضَمرة ، وكان شيخًا كبيرًا مريضًا ، فلما سمع ما نزل في شأن الهجرة قال : والله ما أنا ممن استثنى الله ، ولي مال يُبِلغني المدينة ، والله لا أبيتُ الليلة بمكة ، اخرجُوا بي ، فخرجوا به على سريره حتى أتوا به التنعيم ، فأدركه الموت بها ، فَصفَّق بيمينه على شماله ، وقال : اللهم هذه لك وهذه لرسولك ، أُبايعك على مَا بَايَعَك عليه رسولك ، فمات حَمِيدًا . فقال الصحابة : لو وافَى المدينةَ ، كان أتم أجرًا ، وضحك المشركون ، وقالوا : ما أدرك ما طلب . فنزلت : { ومن يخرج من بيته … } الخ . وقيل : نزلت في خالد بن حزام ، فإنه هاجر إلى أرض الحبشة ، فنهشته حيَّةٌ في الطريق ، فمات قبل أن يصل . والله تعالى أعلم . الإشارة : ومن يهاجر من وطن حظوظه وهواه ، طلبًا للوصول إلى حضرة مولاه ، يجد في أرض نفسه متسعًا للعلوم ، ومفتاحًا لمخازن الفهوم ، وسعة الفضاء والشهود ، حتى ينطوي في عين بصيرته كلُّ موجود ، ويتحقق بشهود واجب الوجود . ومن يخرج من بيت نفسه وسجن هيكله إلى طلب الوصول إلى الله ورسوله ، ثم يُدركه الموت قبل التمكين ، فقد وقع أجره على الله ، وبلَّغه الله ما كان قَصَدَه وتمنُّاه ، فيُحشر مع الصديقين أهلِ الرسوخ والتمكين ، التي تلي درجتُهم درجةَ النبيين ، وكذلك من مات في طلب العلم الظاهر ولم يدركه في حياته ، حشِر مع العلماء ، قال عليه الصلاة والسلام ـ : " من جاءَه أجله وهو يطلبُ العلمَ لم يكن بينه وبين النبيين إلا درجةٌ واحدة " قلت : وهذه الدرجة التي بينه وبين النبوة هي درجة الصديقين المتقدمة قبله . وكل من مات في طلب شيء من الخير ، أدركه بعد موته بحسن نيته ، كما في الأحاديث النبوية ، قال القشيري : المهاجر في الحقيقة ، من هاجر نفسه وهواه ، ولا يصح ذلك إلا بانسلاخه عن جميع مراداته وقصوده ، فمن قصَده أي قصد الحق تعالى ثم أدركه الأجلُ قبل وصوله ، فلا ينزل إلا بساحات وصله ، ولا يكون محط رفقته إلا مكان قربه . هـ . وفي بعض الآثار : الهجرة هجرتان : هجرة صُغرى ، وهجرة كبرى ، فالصغرى : انتقال الأجسام مِن وطنٍ غير مرضي إلى وطن مرضي ، والكبرى : انتقال النفوس من مألوفاتها وحظوظها إلى معرفة ربها وحقوقها . هـ .