Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 101-101)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { وإذا ضربتم في الأرض } ، أي : سافرتم للجهاد أو غيره من السفر المباح ، أو المطلوب ، { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } الرباعية إلى ركعتين ، ونفيُ الجُناح يقتضي أنها رُخصة ، وبه قال الشافعي ، ويؤيده أنه عليه الصلاة والسلام أتمّ في السفر وأن عائشة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله قَصَرْتَ وأتممْتُ ، وصُمْتُ وأفطرتِ ؟ فقال " أحسنت يا عائشة " وأوجبه أبو حنيفة لقول عمر رضي الله عنه : السفر ركعتان تمام غير قصر ، على لسان نبيكم . ولقول عائشة : أول ما فرضت الصلاة ركعتان ، فأقرت صلاة السفر ، وزيدت في الحضر . وقال مالك رضي الله عنه : القصرُ سنة لكونه عليه الصلاة والسلام دام عليه في كل سفر ، ولم يتُم إلا مرةً لبيان الجواز . وقوله تعالى : { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } طاهرِه أن الخوف شرط في القصر ، وبه قالت عائشة وعثمان رضي الله عنهما ـ ، والجمهور على عدم شرطه ، وإنما ذكره الحق تعالى لكونه غالبًا في ذلك الوقت ، فلا يعتبر مفهومه ، أو يؤخذ القصر في الأمن من السُّنة . ويؤيد هذا حديثُ يَعلى بن أمِية ، قلت لعمر بن الخطاب : إن الله يقول : { إن خفتم } ، وقد أمن الناس ؟ . فقال : عجبتُ مما تعجبتَ منه . فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " صَدقةٌ تصدَّق به الله علَيكم ، فاقبلوا صدَقته " وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة وهو آمن . وليس في الآية ما يدل على تحديد المسافة التي تُقصَرُ فيها الصلاةُ ، بل ذَكَرَ مطلقَ السفر ، ولذلك أجاز الظاهرية القصر في كل سفر ، طال أو قصر . ومذهب مالك والشافعي : أن المسافة أربعة بُردُ ، واحتجوا بآثار عن ابن عمر وابن عباس . وقال أبو حنيفة : ستة بُرُد ، وكذلك لم يقيد الحقُّ السفرَ بمباح ولا غيره ، ولذلك أجاز أبو حنيفةٍ القصرَ في كل سفر . ومنعه مالك في سفر المعصية . ومنعه ابن حنبل في المعصية والمباح . والمراد بالفتنة في قوله : { إن خفتم أن يفتنكم } : الجهاد والتعرض لما يُكره ، وعداوة الكفار معلومة . الإشارة : وإذا ضربتم في ميادين النفوس ، وتحقق سيرُكم إلى حضرة القدوس ، فلا جناح عليكم أن تقتصروا على المهم من الصلاة الحسية ، وتدوموا على الصلاة القلبية ، التي هي العكوف في الحضرة القدسية ، إن خفتم أن تشغلكم عن الشهود حلاوةُ المعاملة الحسية . قال بعض العارفين : اتقوا حلاوة المعاملة ، فإنها سموم قاتلة . وكذلك قال القطب بن مشيش في المقامات كالرضا ، والتسليم : أخاف أن تشغلني حلاوتها عن الله . والله تعالى أعلم .