Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 102-102)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { وإذا كنت فيهم } أيه الرسول { فأقمت لهم الصلاة } ، أي : صلاة الخوف ، وكذلك الأمراء النائبون عنه ، { فلتقم طائفة منهم معك } ، وطائفة تقف وجَاهَ العدو للحراسه ، { وليأخذوا أسلحتهم } أي : المصلون معك ، { فإذا سجدوا فليكونوا } أي : الطائفة الحارسة { من ورائكم } فإذا صلَّت نصفَ الصلاة مع الإمام ، قضت في صلبه ما بقي لها وذهبت تحرس . { ولتأت طائفة أخرى لم يُصلوا فليُصلوا معك } النصف الباقي ، فإذا سلمتَ ، قضوا ما بقي لهم ، فإذا كانت ثنائية : صلَّى بالأولى ركعةَ ، وَثَبَتَ قائمًا ساكتًا أو قارئًا ، ثم تصلي من صلت معه ركعة وتسلم ، وتأتي الثانية فتكبر ، فيُصلِي بها ركعةً ويسلم وتقضي ركعة . واذا كانت رباعية ، أو ثلاثية صلى بالأولى ركعتين ، ثم تقوم الأولى فتصلي ما بقي لها وتسلم وتأتي الثانية فتكبر وتصلي معه ما بقي له ، ثم تقضي ما بقي لها ، هكذا قاله مالك والشافعي . وقال أبو حنيفة : يصلي بالأولى ركعّة ، ثم تتأخر وهي في الصلاة ، وتأتي الثانية فيصلي بها ركعة ، فإذا سلَّم ذهبت مكان الأولى قبل سَلاَمها ، فتأتي الأولى فتصلي ركعة ثم تُسلَّم ، وتأتي الثانية فتصلي ركعية ثم تُسلَّم . وفي صلاة الخوف عشرة أقوال على حسب الأحاديث النبوية ، لأنها تعدَّدت منه صلى الله عليه وسلم ، فكل واحد أخذ بحديث ، وما قاله مالك والشافعي هو الذي فعله عليه الصلاة والسلام في غزوة ذات الرقاع . ثم أمر الطائفة الحارسة بأخذ السلاح ، والحذر من العدو فقال : { وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم } ، ثم ذكر عِلَّةَ الحذر فقال : { ودّ الذين كفروا لو تَغْفُلُون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة } أي : تمنوا أن ينالوا منكم غرة ، فيشدون عليكم شدة واحدة فيستأصلونكم . رُوِي أن المشركين لما رأوا المسلمين صلوا صلاة الظهر ندموا أن لو كانوا أغاروا عليهم في الصلاة ، ثم قالوا : دعوهم فإن لهم صلاة هي إليهم أحب من آبائهم وأبنائهم يعنون صلاة العصرـ ، فلما قام النبي عليه الصلاة والسلام لصلاة العصر نزل جبريلُ بصلاة الخوف . ثم رخَّص لهم في وضع السلاح ، لعذرٍ فقال : { ولا جناح عليكم } أي : لا إثم { إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم } منهم بالحراسة . رُوِي أنها نزلت في عبد الرحمن بن عوف ، مَرِضَ فوضع سلاحه ، فعنَّفه أصحابُه ، فنزلت الآية . ثم هوَّن شأن الكفار بعد أن أمر بالحذر منهم فقال : { إن الله أعد للكافرين عذابًا مهينًا } في الدنيا والآخرة . قال البيضاوي : وعد المؤمنين بالنصرة على الكفار ، بعد الأمر بالحذر ، ليقوي قلوبهم ، وليعلموا أن الأمر بالحذر ليس لضعفهم وغلبة عدوهم ، بل إن الواجب أن يحافظوا في الأمور على مراسم التيقظ والتدبير . هـ . الإشارة : إذا كنت في جند الأنوار ، وأحدَقَت بك حضرة الأسرار ، ثم نزلتَ إلى سماء الحقوق أو أرض الحظوظ فلتقم طائفة من تلك الأنوار معك ، لتحرسك من جيش الأغيار وجند الأكدار ، حتى يكون رجوعُك إلى الآثار مصحوبًا بكسوة الأنوار وحليلة الاستبصار ، فيكون رجوعك إليها بالله لا بنفسك ، فإذا سجد القلبُ في الحضرة كانت تلك الأنوار من ورائه والأسرار من أمامه ، { وَاللهُ مِن وَرَآئِهِم مُحِيطُ } [ البُرُوج : 20 ] ، ولتأت طائفة أخرى لم تصل هذه الصلاة لأنها لم تبلغ هذا المقام ، فلتصل معك اقتباسًا لأنوارك ، لكن تأخذ حذرها وتستعد من خواطر الأشغال ، كي لا تميل عليهم فتفتنهم عن الحضور مع الكبير المتعال ، فإن كان مريض القلب بالهوى وسائر العلل ، فلا يكلف من الحضور إلا ما يطيقه ، لأن القط لا يكلف بحمل الجمل . والله تعالى أعلم .