Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 155-158)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { فبما } : صلة زيدت للتأكيد ، و { نقضهم } : مصدر مجرور بالباء ، وهي متعلقة بالفعل المحذوف ، أي : بسبب نقضهم فَعَلنا بهم ما فعلنا ، أو بقوله : { حرَمنا عليهم } ، ويكون { فبظلم } على هذا بدلاً من قوله : { فبما نقضهم } ، فيكون التحريم بسبب النقض ، وما عطف عليه . والاستثناء في قوله : { إلا اتباع الظن } منقطع إذ العلم يناقض الظن . يقول الحقّ جلّ جلاله : فلما أخذنا على بني إسرائيل العهد والميثاق خالفوا ونقضوا ، ففعلنا بهم ما فعلنا ، بسبب نقضهم ميثاقهم ، أو بسبب نقضهم وكفرهم { حرمنا عليهم طيبات أُحِلّت لهم } ، وبسبب كفرهم أيضًا { بآيات الله } القرآن ، أو بما في كتبهم ، { وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم غلف } أي : مغلفة لا تفقه ما تقول . قال تعالى في الرد عليهم : { بل طبع الله عليها بكفرهم } ، فجعلها محجوبة عن العلم ، بأن خذلها ومنعها التوفيق للتدبر في الآيات والتذكر بالمواعظ ، { فلا يؤمنون إلا قليلاً } منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه ، أو إيمانًا قليلاً لا عبرة به لنقصانه ، { وبكفرهم } أيضًا بعيسى عاقبناهم وطبعنا على قلوبهم ، { وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا } أي : نسبتها للزنى وبقولهم : { إن قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله } أي بزعمه ، ويحتمل أنهم قالوه استهزاء ، ونظيره : { إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } [ الشُّعَرَاء : 27 ] ، أو يكون استئنافًا من الله بمدحه ، أو وضعًا للذكر الحسن موضع قولهم القبيح . قاله البيضاوي . ثم رد الله تعالى عليهم فقال : { وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبه لهم } رُوِي أن رهطًا من اليهود سبوه هو وأمه ، فدعا عليهم ، فمُسخوا قردة وخنازير ، فاجتمعت اليهود على قتله ، فقال لهم : يا معشر اليهود ، إن الله يبغضكم ، فغضبوا وثاروا ليقتلوه ، فبعث الله تعالى جبريل فأدخله خُوجة فيها كُوة في سقفها ، ورفعه الله إلى السماء من تلك الكوة ، فأمر اليهود رجلاً منهم يقال له : طيطانوس ، أن يدخل الخوخة ويقتله ، فما دخل الخوخة ، لم ير عيسى ، فألقى الله تعالى شبه عيسى عليه ، فلما أبطأ عليهم دخلوا عليه ، فطنوه عيسى ، فقتلوه وصلبوه . وقال قتادة : ذكر لنا أن عيسى عليه السلام قال لأصحابه : أيكم يقذف عليه شبهي فيقتل ؟ فقال رجل : أنا يا رسول الله ، فقتل ذلك الرجل ، ورفع عيسى عليه السلام ، وكساه الريش وألبسه النور ، وقطع عنه ذلة المطعم والمشرب وصار مع الملائكة ، فهو معهم في السماء إنسيًا ملكيًا ، أرضيًا سماويًا . { وإن الذين اختلفوا فيه لفي شكٍّ منه } فقال بعض اليهود : إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا ؟ وإن كان صاحبنا فأين عيسى ؟ ويقال : إن الله تعالى ألقى شبه وجه عيسى على صاحبهم ، ولم يلق عليه شبه جسده ، فلما قتلوه ونظروا إليه ، فقالوا : الوجه وجه عيسى والجسد جسد صاحبنا . { ما لهم به من علم إلا اتباع الظن } أي : لا علم لهم بقتله ، لكن يتبعون الظن فقط . { وما قتلوه } قتلاً { يقينًا } كما زعموا بقولهم : إن قتلنا المسيح ، { بل رفعه الله إليه } فهو في السماء الثانية مع يحيى عليه السلام ، { وكان الله عزيزًا حكيمًا } أي : قويًا بالنقمة على اليهود ، حكيمًا فيما حكم عليهم من اللعنة والغضب . والله تعالى أعلم . الإشارة : نقضُ عهود الشيوخ من أسباب المقت والبعد عن الله ، وكذلك الإنكار عليهم والطعن فيهم ، وكذلك البعد عن وعظهم وتذكيرهم ، وضد هذا من موجبات القرب والحب من الله ، كحفظ حرمتهم ، والوقوف مع أوامرهم ، والذب عنهم حين تهتك حرمتهم ، والدنو منهم ، والسعي في خدمتهم . وبالله التوفيق .