Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 153-154)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : من قرأ : { لا تعدوا } بالسكون ، فماضيه : عدا ، ومن قرأ بتشدد الدال ، فماضيه اعتَدى ، وأصله : لا تعتدوا ، فنُقلت حركة التاء إلى العين وأُدغمت التاء في الدال ، ومن قرأ بالاختلاس أشار إلى الأصل . يقول الحقّ جلّ جلاله : { يسألك أهل الكتاب } ، وهم أحبار اليهود ، { أن تنزل عليهم كتابًا من السماء } جملة واحدة ، كما نزل التوراة ، أو كتابًا بخطَّ سماوي على ألواح كما كانت التوراة ، والسائل هو كعب بن الأشرف وفنحاص بن عازوراء وغيرهم ، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن كنت نبيًا فأتنا بكتاب من السماء جملةً ، كما أتى به موسى ، قال تعالى في الرد عليهم : { فقد سألوا موسى أكبر من ذلك } وهو رؤية ذات الحقّ تعالى جهرًا حسًا . والمعنى : إن استعظمت ما سألوا منك فقد وقع منهم ما هو أعظم من ذلك . وهذا السؤال ، وإن كان من آبائهم ، أُسند إليهم لأنهم كانوا آخذين بمذهبهم تابعين لهديهم ، فما اقترحوا عليكم ليس بأول جهالاتهم وتشغيبهم بل عُرفُهُم راسخٌ في ذلك ، فلا تستغرب ما وقع منهم . ثم فسر سؤالهم بقوله : { فقالوا أرنا الله جهرة } أي : عيانًا في الحس ، { فأخذتهم الصاعقة } ، بأن جاءت نار من السماء فأهلكتهم ، فماتوا ثم بُعثوا بدعوة موسى عليه السلام وذلك بسبب ظلمهم . وهو تعنتهم وسؤالهم لما أستحيل في تلك الحال التي كانوا عليها . وذلك لا يقتضي امتناع الرؤية مطلقًا . وسيأتي في الإشارة تحرير ذلك . { ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات } على وحدانيته تعالى . وهذه جناية أخرى اقترفها أيضًا أوائلهم ، { فعفونا عن ذلك } حيث تابوا ، ولم نعاجلهم بالعقوبة ، { وأتينا موسى سلطانًا مبينًا } أي : تسلطًا ظاهرًا عليهم ، حين أمرهم أن يقتلوا أنفسهم ، توبة من اتخاذهم العجل إلهًا ، وحجة واضحة على نبوته كالآيات التسع . { ورفعنا فوقهم الطور } حيث امتنعوا من قبول أحكام التوراة ، بسبب ميثاقهم الذي أخذناه عليهم ، وهو التزام أحكام التوراة ، وقلنا لهم على لسان موسى : { ادخلوا الباب سجّدًا } أي : باب بيت المقدس ، فدخلوا يزحفون على استاههم عنادًا واستهزاءً ، وقلنا لهم : { لا تعدوا في السبت } على لسان داود عليه السلام ، فاعتدوا فيه بالاصطياد ، فمسخناهم قردةً وخنازير ، { وأخذنا منهم ميثاقًا غليظًا } على ذلك كله ، فنقضوا جميع ذلك ، أو ميثاقًا غليظًا في التوراة لئن أدركوك ليؤمنن بك ، وليبينن صفتك للناس ، فنقضوا وكتموا . والله تعالى أعلم . الإشارة : اقتراح الآيات وطلب الكرامات من الأولياء ، سنة ماضية ، لأنهم على قدم الأنبياء عليهم السلام ما يقال لهم إلا ما قيل للأنبياء قبلهم ، فلا تكاد تجد أحدًا يصدق بولي حتى تظهر عليه الكرامة ، وهو جهل كبير لأن الكرامة قد تظهر على من لم تكمل له استقامة ، وقد تكون استدراجًا ومكرًا . وأيُّ كرامة أعظم من العلوم اللدنية والأخلاق النبوية ؟ كما قال شيخنا رضي الله عنه . وقد ظهرت الكرامات على المتقدمين ولم ينقطع الإنكار عليهم . واعلم أن طلب الرؤية في الدنيا ليس بممتنع ، وإنما عاقب الله بني إسرائيل على طلبها لأنهم طلبوها قبل إبانها ، طلبوها من غير اتصاف بشروط حصولها ، وهو كمال التهذيب والتطهير من دنس الحس ، فمن كمل تهذيبه وتحقق تطهيره حصل له شهود الحق ، حتى لو كلف أن يشهد غيره لم يستطع ، وذلك حين تستولي البصيرة على البصر ، فيشهد البصر ما كانت تشهده البصيرة ، وذلك بعد كمال فتحها . ولذلك قال في الحِكَم : " شعاعُ البصيرة يُشهدك قربَ الحق منك ، وعين البصيرة يشهدك عدمك لوجوده ، وحق البصيرة يشهدك وجود الحق " … الخ كلامه . وهذه المشاهدة لا تحصل إلا لمن اتصل بشيخ التربية ، وإلا فلا مطمع فيها . والله تعالى أعلم .