Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 29-30)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ … } قلت : الاستثناء منقطع ، وكان تامة لمن رفَع ، وناقصه لمن نصب ، واسمها : ضمير الأموال ، على حذف مضاف ، إلاَّ أن تكون الأموال أموالَ تجارة . يقول الحقّ جلّ جلاله : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } الذي لا تُجوزه الشريعة ، كالربا والقمار ، والغصب والسرقة ، والخيانة والكهانة والسحر وغير ذلك { إلا أن تكون } ، أي : لكن إن وجدت { تجارة } صحيحة { عن تراضٍ منكم } أي : اتفاق منكم على البيع ، وبه استدلت المالكية على انعقاد البيع بالعقد ولو لم يحصل تفرق بالأبدان . وقال الشافعي : إنما يتم بالتفرق بالأبدان ، لقوله عليه الصلاة والسلام ـ : " البَيِّعَان بالخِيَار مَا لَمْ يتَفَرَّقَا " وحمله مالك على التفرق بالكلام ، وقال أكثر المفسرين : التخيير ، هو أن يُخير كلُ واحد منهما صاحبة بعد عقد البيع ، وقد ابتاع عمرو بن جرير فرسًا ، ثم خَيَّر صاحبه بعد البيع ، ثم قال : سمعت أبا هريرة يقول : البيع عن تراض . قال البيضاوي : وتخصيص التجارة من الوجوه التي يحل بها انتقال مال الغير ، لأنها أغلب وأوفق لذوي المروءات ، ويجوز أن يُراد بها الانتقال مطلقًا . وقيل : المقصود بالنهي : صرف المال فيما لا يرضاه الله تعالى ، وبالتجارة : صرفه فيما يرضى . هـ . الإشارة : لا تصرفوا أموالكم ولا أحوالكم في غير ما يُقربكم إلى الحق فإن ما سوى الحق كله باطل ، كما قال الشاعر : @ ألا كُلُّ شيء مَا خَلآ اللهَ باطلُ وكُلٌّ نَعِيمٍ لا مَحَالةَ زائل @@ إلا أن يكون صرفه في تجارة رابحة ، تقربكم من الحبيب ، وتجلبُكم إلى حضرة القريب ، فتلك تجارة رابحة وصفقة نافعة . والله تعالى أعلم . ثم تكلم على بعض ما يتعلق بحفظ الأبدان ، وسيأتي تمامه في قوله : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنِ … } [ النساء : 92 ] إلى آخر الآيات ، فقال : { … وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً } يقول الحقّ جلّ جلاله : { ولا تقتلوا أنفسكم } ، بالخنق أو بالنخع أو بالجرح ، الذي يؤدي إلى الموت ، أو بالإلقاء إلى التهلكة . وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في غَزوة ذَات السَّلاَسِلِ ، فأجنَبتُ في لَيْلَة بَارِدَة ، فَأشْفَقْتُ على نفسي وصَليْتُ بأصحَابِي صَلاة الصُبح بالتيمم . فلَمّا قَدِمتُ ذَكَرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " يا عَمرُو صلَّيتَ بأصحَابِكَ وأنت جُنُب ؟ " قلت : نعم يا رسول الله ، أشفيتُ إن اغتسلتُ أن أهلك ، فذكرت قوله تعالى : { لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا } ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل شيئاً . أو : ولا تقتلوا إخوانكم في الإسلام ، فإن المؤمنين كنفس واحدة . قال البيضاوي : جمع في التوصية بين حفظ النفس والمال الذي هو شقيقها من حيث إنه سبب قوامها استبقاء لهم . هـ . وإنما نهاكم عن قتل أنفسكم رأفة ، ورحمة بكم ، { إن الله كان بكم رحيمًا } ، فقد أمر بني إسرائيل بقتل أنفسهم ، وأنتم نهاكم عنه . { ومن يفعل ذلك } القتل . أو جميع ما سبق من المحرمات { عدوانًا وظلمًا } ، أي : إفراطًا في التجاوز عن الحد ، وإتيانًا بما لا يستحق ، أو تعديًا على الغير وظلمًا على النفس ، بتعريضها للعقاب ، { فسوف نصليه نارًا } أي : نحرقه ونشويه فيها . { وكان ذلك على الله يسيرًا } . وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : " مَن قَتَل نفسَهُ بِشَيءٍ عُذِبَ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا " وهو تغليظ ، أو لمن استحل ذلك . وهذا الوعيد الذي ذكره الحق هنا في قتل الإنسان بيده ، أهون مما ذكره في قتل الغير ، الذي يأتي ، لأنه زاد هناك الغصب واللعنة والعذاب العظيم ، أما قول ابن عطية : إنه أجمع المفسرون أن هذه الآية في قتل بعضهم بعضًا ، فليس بصحيح ، والله تعالى أعلم . الإشارة : ولا تقتلوا أنفسكم باتباع الشهوات وتراكم الغفلات ، فإنه يفوتها الحياة الحقيقية ، وقال الفضيل بن عياض رضي الله عنه : لا تغفلوا عن حظ أنفسكم ، فمن غفل عن حظ نفسه ، فكأنما قتلها . وحظ النفس هو تزكيتها وتحليتها بالكمالات ، أو قُوتها من العلم اليقين ، والمعرفة وصحة التمكين ، والمراد بالنفس هذا الروح ، وأما ما اصطلحت عليه الصوفية من أن النفس يجب قتلها ، فإن مرادهم بذلك النفس الأمارة ، فإن الروح ما دامت مُظلمة بالمعاصي والهوى سميت نفسًا ، فإذا تطهرت وتزكت سميت روحًا . وهو المراد هنا . سماها نفسًا باعتبار ما كانت عليه . والله تعالى أعلم .