Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 2-2)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : اليتيم : مَنْ فقدَ أباه ، ولا يقال فيه اليتيم عُرفا إلا قبل البلوغ ، وهو هنا مجاز ، أي : من كان يتيمًا ، والحوبُ : الإثم ، ويقال فيه : حوبا ، بالضم والفتح ، مع الواو والألف ، مصدر حاب حوبًا وحوَبا وحابا . يقول الحقْ جلّ جلاله : { وآتوا } أي أعطوا { اليتامى أموالهم } إذا بلغوا ، وأُنِس منهم الرشد ، وسمَّاهم يتامى بعد البلوغ اتساعًا لقرب عهدهم بالصغر . حثًا على أن يُدفع إليهم أموالهم أول بلوغهم ، قبل أن يزول عنهم هذا الاسم إذا أنِسَ فيهم الرشد ، ويدل على هذا ما قيل في سبب نزول الآية ، وهو أن رجلآ من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له ، فلما بلغ طلب مال أبيه ، فمنعه ، فنزلت الآية ، فلما سمعها العم قال : أطعنا الله ورسوله ، ونعوذ بالله من الحُوب الكبير . وقيل : إن العرب كانت لا تورِّث الصغار مع الكبار ، فأُمِرُوا أن يورثوهم ، وعلى هذا يكون اليتيم على حقيقته ، فعلى الأول : الخطاب للأوصياء ، وعلى الثاني : للعرب التي كانت لا تورث الصغار . ثم قال : { ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب } أي : لا تتبدلوا الحرام من أموالهم بالحلال من أموالكم ، أو : لا تأخذوا الرفيع من أموالهم وتُعطوا الخبيث مكانها من أموالكم . كان بعضهم يبدل الشاة السمينة من مال اليتيم بالمهزولة من ماله ، والدرهم الطيب بالزائف . { ولا تأكلوا أموالهم } مضمومًا { إلى أموالكم } فتنفقونها معًا ، مع أن اليتيم لا يأكل كالكبير ، إلا إذا كان المنفَق قدَّر أكله ، أو لمصلحة . { إنه } أي : الأكل ، { كان حُوبًا كبيرًا } أي : إثمًا عظيمًا . الإشارة : أمر الحقّ جلّ جلاله أغنياء القلوب ، وهم أكابر الأولياء الراسخون في علم الغيوب ، أن يَمنحوا من تعلق بهم من الفقراء والضعفاء ، من الغني بالله الذي منحهم الله ، حتى لا يلتفتوا إلى سواه ، وأن يَقبلوا كل من أتى إليهم من العباد ، سواء كان من أهل المحبة والوداد ، أو من أهل المخالفة والعناد ، ولا يتبدلوا الخبيث بالطيب ، بحيث يَقبلون من وجدوه طيب الأخلاق ، ويردون من وجدوه خبيث الأخلاق ، فإن هذا ليس من شأن أهل التربية النبوية ، بل من شأنهم أن يقبلوا الناس على السوية ، ويقلبوا فيهم الأعيان ، فيقبلون العاصي طائعًا ، والكافر مؤمنًا ، والغافل ذاكرًا ، والشحيح سخيًّا ، والخبيث طيبًا ، والمسيء محسنًا ، والجاهل عارفًا ، وهكذا لما عندهم من الإكسير ، وهي الخمرة الأزلية ، أي : التي من شأنها أن تقلب الأعيان ، كما قال ابن الفارض رضي الله عنه في وصفها : @ تُهذبُ أخلاقَ النَّدامى فيَهْتَدي بها لطريقِ العزمِ مَن لا له عَزْم ويكرُمُ مَنْ لم يَعْرِف الجودَ كَفُّه ويحلُمُ عند الغيْظِ مَنْ لا لهُ حِلم @@ وقوله : { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } يعني : حتى تتحققوا بوصول الغني إلى قلوبهم ، فإن تحققتم فخذوا ما بذلوا لكم من أموالهم . والله تعالى أعلم .