Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 32-32)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { ولا تتمنوا ما فضَّل الله به } من الميراث { بعضكم على بعض } ، كتضعيف الذكر على الأنثى ، فللرجال { نصيب مما اكتسبوا } أي : مما أصابوا وأحرزوا في القسمة ، { وللنساء نصيب مما اكتسبن } منه ، قلَّ أو كثر ، فلتقنع بما قسم الله لها ، ولا تعترض على أحكام الشريعة ، ولكن { اسألوا الله من فضله } يُعطكم من غير الميراث ، هكذا فسرها ابن عباس . وقال مجاهد : قالت أُم سلمة : يغزو الرجال ولا نغزو ، فليتنا رجال نغزو ، ونبلغ ما يبلغ الرجال . فنزلت . فيكون المعنى : ولا تتمنوا ما فضل اللهُ به الرجال على النساء كالغزو وغيره ، فللرجال نصيب مما اكتسبوا من ثواب الجهاد وسائر أعمالهم ، { وللنساء نصيب مما اكتسبن } من طاعة أزواجهن وحفظ فروجهم وسائر بقية أعمالهن . والتحقيق أنها عامة في جميع المراتب الدينية والدنيويه لأن ذلك ذريعة إلى التحاسد والتعادي ، ومعربة عن عدم الرضا بما قسم الله له ، وإلى التشهي لحصول الشيء له من غير طلب ، وهو مذموم لأن تمنّي ما لم يقدر له ، معارضة لحِكمة القدر ، وتمنّي ما قدر له بكسب ، بطالة وتضييع حظ ، وتمنّي ما قدر له بغير كسب ، ضياع ومحال ، قاله البيضاوي . فللرجال نصيب من أجل ما اكتسبوا من الأعمال ، وتحملوا من المشاق ، فيعطيهم الله على قدر ما اكتسبوا { وللنساء نصيب مما اكتسبن } كذلك ، فلا فائدة في تمني ما للناس ، ولكن { اسألوا الله من فضله } يُعطكم مثله ، أو أكثر من خزائنه التي لا تنفذ . { إن الله كان بكل شيءٍ عليمًا } وهو يعلم ما يستحقه كل إنسان ، فيُفَضِّل من شاء بما شاء عن علم وبيان ، ومناسبة الآية حينئِذ لما قبلها : أن تجنب الكبائر فضل من الله ونعمة ، وهو أفضل ممن يقع فيها ، لكن لا ينبغي تمني ذلك من غير عمل ، ولكن يسأل الله من فضله حتى يُلحقه بأهل العصمة . وبالله التوفيق . الإشارة : قد وقع التفضيل في مقامات الأولياء كالأنبياء ، لكن لا ينبغي تعيين الفاضل من المفضول ، لِما يؤدي إليه من التنقيص فيؤدي إلى الغيبة ، والتفضيل يقع بزيادة اليقين وصحة التمكين ، والترقي في أنوار التوحيد وأسرار التفريد . يكون أيضًا بهداية الخلق على يده ، وظهور إحسانه ورفده ، فإذا رأى العبدُ أنه لم يبلغ إلى مقام غيره فلا يتمنى ذلك المقام بعينه ، فقد يكون مقامه عند الله في عمله أعظم ، وقد يكون أدون ، فيُسيء الأدب ، فالخير كله في العبودية والرضى بأحكام الربوبية ، فللأقوياء نصيب مما اكتسبوا بالقوة والمجاهدة التي خلق الله فيهم ، حكمةً وفضلاً ، وللضعفاء نصيب مما اكتسبوا قسمة وعدلاً ، ولكن يسأل الله من فضله العظيم ، فإن الله بكل شيء عليم ، فقد يُعطى بلا سبب ويُبَلِّغ بلا تعب . وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " سَلُوا الله مِن فَضلِهِ فَإنَّ اللهَ يُحِبُ أن يُسألَ " وفي حديث أخر : " مَن لَم يَسألِ اللهَ يَغضَب عَلَيهِ " وقال الورتجبي : أمر بالسؤال ونهى عن التمني لأن السؤال افتقار ، والتمني ، اختيار . هـ . والله تعالى أعلم .