Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 51-52)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : الجبت في الأصل : اسم صنم ، فاستعمل في كل ما عُبد من دون الله ، { والطاغوت } : كل باطل من معبود أو غيره ، أو الجبت : السحر ، { والطاغوت } : الساحر ، وبالجملة : هو كل ما عُبد أو أطيع من دون الله ، وقال الجوهري : الجبت : اسم لكل صنم ولكل عاصٍ ولكل ساحر وكل مُضِلّ ، { والطاغوت } : الشيطان ، وأصله : طغيوت ، فعلوت ، من الطغيان ، ثم قلب فصار طيَغوت ، ثم قلبت الياء ألفًا . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من } علم { الكتاب } ، وهم أحبار اليهود { يُؤمنون بالجبت والطاغوت } يقرون بصحة عبادتهما ، { ويقولون للذين كفروا هؤلاء } الكفرة { أهدى من الذين آمنوا } طريقًا ، نزلت في اليهود - لعنهم الله - : كانوا يقولون : إن عبادة الأصنام أرضى عند الله مما يدعو إليه محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : في حُيي بن أخطب وكعب بن الأشرف ، خرجا في سبعين راكبًا إلى مكة يُحالفون قريشًا على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وقعة أُحد ، وينقضون العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل كَعبُ على أبي سفيان ، فأحسن مثواه ، ونزلت اليهود في دور قريش . فقال أهل مكة : أنتم أهل كتاب ، ومحمدٌ صاحب كتاب ، ولا نأمن أن يكون هذا مكيدة منكم . فإن أردتم أن نخرج معكم فاسجدوا لهذين الصنمين ، وآمنوا بهما ، ففعلوا ، فذلك قوله تعالى : { يؤمنون بالجبت والطاغوت } . ثم قال أبو سفيان لكعب : إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ، ونحن أميون لا نعلم ، فأيُّنا أهدى سبيلاً وأقرب إلى الحق ، نحن أو محمد ؟ قال كعب : اعرضوا عليَّ دينَكم ، فقال أبو سفيان : نحن ننحر للحجيج الكومَاءَ أي : العظيمة من النوق ونسقي الماء ، ونَقري الضيف ، ونفك العاني ، ونصل الرحم ، ونعمر بيت ربنا ، ونطوف به ، ونحن أهل الحرم ، ومحمدٌ فارقَ دينَ أبائه ، وقطع الرحم وفارق الحرم ، فقال كعب : أنتم والله أهدى سبيلاً . هـ . { أولئك الذين لعنهم الله } وأبعدهم وأسحقهم { ومَن يلعن الله فلن تجد له نصيرًا } ينصره من عذاب الله . فقد قُتل هؤلاء كلهم شر قتلة ، وذهبوا إلى الهاوية . عائذاً بالله . الإشارة : قال الورتجبي : وبَّخ الله تعالى أهل ظاهر العلم الذين اختاروا الرياسة ، وأنكروا على أهل الولاية ، وآثروا صحبة المخالفين ، يقبلون هواجس نفَوسهم التي هي الجبت ، ويَحظُون على آثار الطاغوت ، التي هي إبليس . هـ . قلت : وينسحب التوبيخ على من فضّل أهل الظاهر على أهل الباطن ، وفضَّل العلماء على الأولياء ، ويقولون : هم أهدى منهم سبيلاً . هيهات ! بينهم من البَون ما بين السماء والأرض . والكلام إنما هو في التفضيل بين العارفين بالله ، الذين جمعوا بين الفناء والبقاء ، وبين العلماء والأتقياء . وأما العُبَّاد والزهاد والصالحون فلا شك أن العلماء الأتقياء أفضل منهم ، وإليهم أشار صلى الله عليه وسلم بقوله : " فَضلُ العَالِمِ على العابِد كَفَضِلِي عَلَى أدناكُم " وكذلك الأحاديث التي وردت في تفضيل العلماء . وأما العارفون بالله فهم أعظم العلماء ، لأن علمهم متعلق بذات الله كشفًا وذوقًا ، وعلماء الظاهر علمهم متعلق بأحكام الله . مفرقُون عن الله ، بل هم أشد حجابًا من غيرهم عن الله . قال بعض الأولياء : أشد الناس حجابًا عن الله : العلماء ثم العباد ثم الزهاد . هـ . لأن حلاوة ما هم فيه تمنعهم عن الانتقال عنه ، وقد تقدم الكلام عند قوله : { كُنتٌمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [ آل عِمرَان : 110 ] بأبلغ من هذا . والله تعالى أعلم .