Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 60-63)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { رأيت المنافقين } ، وضع الظاهر موضع المضمر تسجيلاً عليهم بالنفاق وذمًا لهم به . وكان القياس : رأيتهم ، و { صدودًا } : مصدر ، أو اسم مصدر الذي هو الصد ، والفرق بينه وبين المصدر : أن المصدر اسم للمعنى الذي هو الحدث ، واسم المصدر اسم للفظ المحسوس ، و { يحلفون } حال . و { في أنفسهم } يتعلق بقُل ، وقيل ببليغًا . وهو ضعيف لأن الصفات لا يتقدم عليها معمولها ، اللهم إلا أن يتوسع في الظروف . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ألم تر } يا محمد { إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } وهم المنافقون ، { يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } ، كعب بن الأشرف لفرط طغيانه . وفي معناه كل من يحكم بالباطل ، { وقد أُمروا أن يكفروا به } ، ويؤمنوا بالله ويرضوا بحكمه . { ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيدًا } ، بأن يصرفهم عن حكم الله ورسوله . قال ابن عباس : إنَّ منافقًا خَاصَمَ يَهُودِيًّا فَدَعَاهُ اليَهُوديُّ إلى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف ، ثم اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحكم لليهودي بالحق فلم يرض المنافق ، وقال : نتحاكم إلى عُمَر ، فقال اليهودي : نعم فذهبا إلى عمر رضي الله عنه فقال اليهودي : قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرضى بقضائه وخاصم إليك ، فقال عمر للمنافق : أكذلك ؟ . قال : نعم ، فقال : على رسلكما حتى أخرج إليكما ، فدخل وأخذ سيفه فخرج ، فضرب به عنق المنافق حتى برد ، وقال : هكذا أقضي لمن لم يرضَ بقضاء الله ورسوله ، فنزلت الآية … وقال جبريل رضي الله عنه : إن عمر فرّق بين الحق والباطل . فسُمي الفاروق . { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين } أي : بعضَهم ، { يصدون عنك } غير راضين بحكمك { صدودًا } عظيمًا . { فكيف } يكون حالهم { إذا أصابتهم مصيبة } كقتل عمر المنافقَ ، بسبب ما قدمت { أيديهم } من عدم الرضى بحكم الله ، { ثم جاؤوك } يطلبون ديّة صاحبهم ، { يحلفون بالله إن أردنا } بالإنصراف إلى عمر { إلا أحسانًا } منه بالخصمين ، { وتوفيقاً } بينهما ، قطعًا للنزاع بينهما ، قال تعالى : { أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم } من النفاق ، فلا يغني عنهم الكتمان والحلف الكاذب من الله شيئًا ، أو يعلم الله ما في قلوبهم من الطمع في الدية ، { فأعرض عنهم } ، أي : عن قبول معذرتهم ولا تمكنهم من طمعهم ، { وقل لهم في أنفسهم } ، أي : خاليًا بهم { قولاً بليغًا } يبلغ إلى قلوبهم ، ويؤثر فيهم ، لينزجروا عن طلب دم صاحبهم ، وإنما أمر أن يعظهم خاليّا لأن النصح في ذلك أنجح ، وأقرب للقبول ، ولذلك قيل : من نصحك وَحدَكَ فقد نصحك ، ومن نصحك مع الناس فقد فضحك . والله أعلم . الإشارة : كل من دخل تحت ولاية شيخ التربية ، وجب أن يرد حكوماته كلها إليه ، ويرضى بما قضى عليه ، وترى بعض الفقراء يزعمون أنهم في تربية الشيخ وتحت أحكامه ، ثم يتحاكمون إلى حُكام الجور وقضاة الزمان في أمر الدنيا وما يرجع إليها ، فهؤلاء قد ضلوا ضلالاً بعيدًا . إلا أن يتوبوا ويُصلحوا ما أفسدوا ، بإصلاح قلب الشيخ حتى يجبر كسرهم ، فالمريد الصادق لا يصل إلى الحاكم ، ولو ذهب ماله كله ، فإن كان ولا بد . فليوكل عنه في ذلك . فيكيف إذا أصابت هؤلاء مصيبة وهي ظلمة القلب ، وفتنة الدنيا بسبب ما قدمت أيديهم من تخطى حكم شيخهم إلى حُكم غيره ، ثم جاؤوك يحلفون بالله ما أردنا إلا أحسانًا وهو حفظ مالنا ، وتوفيقًا بيننا وبين خصمنا ، فيجب على الشيخ أن يُعرض عن عتابهم ويذكرهم حتى يتوبوا ، فإن تابوا فإن الله غفور رحيم .