Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 64-68)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { توابًا رحيمًا } مفعولاً وَجَدَ أن كانت علمية ، أو { توابًا } حال ، و { رحيمًا } بدل منه ، أو حال من ضميره إن فسرت بصادف . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وما أرسلنا من رسول } من لدن آدم إلى زمانك ، { إلا ليُطاع بإذن الله } وأمره بطاعته ، فمن لم يطعه ولم يرض بأحكامه فهو كافر به . { ولو أنهم } أي : المنافقون حين { ظلموا أنفسهم } بالترافع إلى غيرك ، والتحاكم إلى الطاغوت { جاؤوك } تائبين { فاستغفروا الله } بالتوبة ، { واستغفر لهم الرسول } حين اعتذروا إليه حتى انتصب لهم شفيعًا ، { لوجدوا الله } أي : تحققوا كونه { توابًا رحيمًا } ، قابلاً لتوبتهم متفضلاً عليهم بالرحمة والغفران . وإنما عدل عن الخطاب في قوله : { واستغفر لهم الرسولُ } ولم يقل : واستغفرت لهم ، تفخيمًا لشأنه ، وتنبيهًا على أن من حق الرسول أن يقبل اعتذار التائبين ، وإن عَظُم جُرمُهم ، ويشفع لهم ، ومن جلالة منصبه أن يشفع في عظائم الذنوب وكبائرها . ثم أقسم بربوبيته على نفي إيمان من لم يرض بحكم رسوله ، فقال : { فلا وربك لا يؤمنون } إيمانًا حقيقيًا { حتى يحكموك } أي : يترافعوا إليك ، راضين بحكمك ، { فيما شَجَر بينهم } أي : اختلط بينهم واختلفوا فيه { ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا } أي : ضيقًا وشكًا { مما قضيت } ، بل تنشرح صدورهم لحكمك لأنه حق من عند الله . { ويُسلموا } لأمرك { تسليمًا } . أي ينقادوا لأمرك ظاهرًا وباطنًا . { ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم } ، توبة من ذنوبكم ، كما كتبناه على بني إسرائيل ، أو في الجهاد في سبيل الله ، { أو اخرجوا من دياركم } كما خرج بنو إسرائيل حين أمرناهم بالهجرة من مصر ، { ما فعلوه إلا قليل منهم } وهم المخلصون . قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : لو كتب ذلك علينا أنا أول خارج . قال ثابت بن قيس بن شماس : لو أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقتل نفسي لفعلت . وكذلك قال عُمر وعمارُ بن ياسر وابنُ مسعود وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أمرنا لفعلنا . فبلغ ذلك النبيُ صلى الله عليه وسلم فقال : " إنَّ مِن أُمَّتِي رِجَالاً : الإيمَانُ في قُلُوبِهِم أثبَتُ مِنَ الجِبَالِ الرَّوَاسِي " فهؤلاء من القليل . وسبب نزول قوله : { فلا وربك … } الخ : قضية الزُّبَيرِ مع حَاطِب في شرَاج الحَرَّة ، كَانَا يسقيانِ به النّخل ، فتخاصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام : " اسقِ يا زُبيرُ وأرسِل إلى جارِكَ " فقال حَاطبُ : لأن كَان ابن عمتك . فقال عليه الصلاة والسلام ـ : " اسقِ يا زُبيرُ ، واحِبِس الماءَ حتَّى يبلغ الجدر واستوف حقك " وقيل : نزلت في اليهودي مع المنافق المتقدم ، وهو أليق بالسياق . { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به } من طاعة الرسول ، والرضى بحكمه ، { لكان خيرًا لهم } في آجلهم وعاجلهم ، { وأشد تثبيتًا } في دينهم وقوة في إيمانهم ، أو تثبيتًا لثواب أعمالهم ، { وإذًا } لو فعلوا ذلك { لآتيناهم من لدنا أجرًا عظيمًا ولهديناهم صراطًا مستقيمًا } يصلون بسلوكه إلى حضرة القدس ، ودوام الأنس ، ويفتح لهم أسرار العلوم ، ومخازن الفهوم ، قال صلى الله عليه وسلم : " من عَمِلَ بما عِلَمَ أورثه الله علمَ ما لم يعلم " والله تعالى أعلم . الإشارة : كما أمر الله بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في حياته ، أمر بطاعة ورثته بعد مماته ، وهم العلماء الأتقياء الذين يعدلون في الأحكام ، والأولياء العارفون الذين يحكمون بوحي الإلهام ، فالعلماء حُكَّام على العموم ، والأولياء حكام على الخصوص ، أعني من تعلق بهم من أهل الإرادة ، فمن لم يرض بحكم العلماء ، ووجد في نفسه حرجًا مما قضوا به عليه ، ففيه شُبعة من النفاق ، وخصلة من المنافقين . ومن لم يرض بحكم الأولياء فقد خرج من دائرتهم ، ومن عُش تربيتهم ، لأن حكم الرسول عليه الصلاة والسلام وحكم ورثته هو حكم الله ، ومن لم يرض بحكم الله خرج عن دائرة الإيمان . فلا يكمل إيمان العبد حتى لا يجد في نفسه حرجًا من أحكام الله ، القهرية والتكليفية ، ويسلم لما يبرز من عنصر القدرة الأزلية ، كيفما كان ، فقرًا أو غنى ، ذلاً أو عزًا ، منعًا أو عطاء ، قبضًا أو بسطًا ، مرضًا أو صحة ، إلى غير ذلك من اختلاف المقادير . ويرضى بذلك ظاهرَا وباطنًا ، وينسلخ من تدبيره واختياره إلى اختيار مولاه فهو أعلم بمصالحه ، وأرحم به من أمه وأبيه : وبالله التوفيق . وهو الهادي إلى سواء الطريق .