Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 75-75)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { ما } مبتدأ . و { لكم } خبر . و { لا تقاتلون } حال ، و { المستضعفين } عطف على اسم الجلالة ، أي : أيَ شيء حصل لكم حال كونكم غير مجاهدين في سبيل الله وفي تخليص المستضعفين ؟ و { الظالم } نعت للقرية ، وإنما ذُكَّر ولم يؤنث ، لأنه أسند إلى المذكر ، واسم الفاعل إذا جرى على غير مَن هُوَ لَهُ أجرى مجرى الفعل ، فيذكر ويؤنث باعتبار الفاعل . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وما لكم } يا معشر المسلمين { لا تقاتلون في سبيل الله } ، وفي تخليص إخوانكم { المستضعفين } بمكة ، الذين حبسهم العدو أو أسرهم ومنعهم من الهجرة { من الرجال والنساء والولدان } ، فهم في أيديهم مغللون ممتحنون . قال البيضاوي : وإنما ذكر الولدان مبالغة في الحث وتنبيهًا على تناهي ظلم المشركين بحيث بلغ أذاهم الصبيان ، وأن دعوتهم أجيبت بسبب مشاركتهم في الدعاء ، حتى تشاركوا في استنزال الرحمة واستدفاع البلية . هـ . ثم ذكر دعاءهم فقال : { الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية } أي : مكة { الظالم أهلها } بالشرك والطغيان حتى تعدى إلى النساء والصبيان . { واجعل لنا من لدنك وليًّا } يصوننا عن أذاهم ، { ونصيرًا } يمنعنا من التخلف عن الهجرة إلى رسولك صلى الله عليه وسلم ، فاستجاب الله دعاءهم بأن يسَّر لبعضهم الخروج إلى المدينة ، وجعل لمن بقي منهم أعظم ولي وناصر ، بفتح مكة على نبيه صلى الله عليه وسلم ، فتولاهم ونصرهم ، واستعمل عليهم عتَّاب بن أسيد ، فحماهم وأعزهم حتى صارو أعزاء أهلها ، كما هي عادته سبحانه في إجابة دعاء المضطرين . الإشارة : ما لكم يا معشر العِباد ، وخصوصًا المريدين من أهل الجد والاجتهاد ، لا تجاهدون نفوسكم في طريق الوصول إلى الله ، كي تنالوا بذلك مشاهدة جماله وسناه ، وتخلصوا ما كمن في نفوسكم من الأسرار ، وما احتوت عليه من العلوم والأنوار . فإن قرية البشرية قد احتوت عليها وأسرتها بظلمات شهواتها ، واستضعفتها بتراكم غفلتها وتكثيف حجاب حسها . فمن جاهدها استخلص جواهر تلك العلوم والأسرار مِن صَدَفِها . وفي ذلك يقول ابن البنا في مباحثه : @ ولم تزل كُلُّ النُّفُوسِ الأحيا عَلاَّمة درَّاكة للأشيَا وإنما تَعُوقُها الأبدَان والأنفس النزع والشَّيطَان فكلُّ مَن أذَاقَضهم جهادَه أظهرَ للقاعد خَرقَ العاده @@ وقال أيضًا : @ وَهِيَ مِن النفوس في كُمُون كما يكون الحَبُّ في الغُصُون @@ فالرجال : الأسرار والأنوار ، والنساء : العلوم والأذكار ، والولدان : الحكم بنات الأفكار . فكل هؤلاء مستضعفون تحت قهر البشرية الظالم أهلها . ومن الأنفس النزع والشياطين المغوية ، فكل من جاهد هؤلاء القواطع أظهر تلك العلوم والأنوار السواطع ، واستخلص رُوحه من أسر حجاب الأكوان ، وأفضى إلى فضاء الشهود والعيان . وبالله التوفيق . وهو الهادي إلى سواء الطريق .