Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 93-93)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا } مستحلاً لقتله { فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغَضِبَ الله عليه ولعنه } أي : طرده { وأعد له عذابًا عظيمًا } ، وقولُنا : مستحلاً لقتله ، هو أحد الأجوبة عن شبهة المعتزلة القائلين بتخليد عصاة المؤمنين في النار . ومن جُملتهم : قاتل النفس . ومذهب أهل السنة : أنه لا يخلد إلا الكافر ، ويؤيد هذا الجواب سبب نزول الآية ، لأنها نزلت في كافر ، وهو مَقِيس بن ضُبَابة الكناني وَجَدَ أخَاه هشامًا قَتَيلاً في بني النجر وكان مُسلمًا فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأرسَل مَعهُ رجلاً من بني فهرِ ، وقال له : " ائت بني النّجار ، وقُل لهم : إن عَلمتُم قاتِل هِشَامٍ فادفَعُوهُ لمقيس يَقتَصُّ مِنه ، وإن لِمَ تَعلمُوا فادفَعُوا إليه الدَّيةَ " فقالوا : سمعًا وطاعة ، لم نَعلَم قاتِله ، فجمعوا مائة من الإبل ، فأخذها ، ثم انصرفا راجعَين إلى المدينة ، فوسوس إليه الشيطان ، وقال : أيَّ شيء صَنَعتَ ؟ تَقبلُ ديةَ أخيكَ فتكونُ عليك سُبَّة ، اقتل الرجلَ الذِي مَعكَ فتكُونَ نفسٌ مكانَ نَفسٍ وفَضلُ الدِّيَة ، فَقَتَلَه وأخذ الدِّية ، فنزلت فيه الآية . أو يكون الخلود عبارة عن طول المكث ، والجمهور على قبول توبته ، خلافًا لابن عباس ، ونُقِل عنه أيضًا قبولها ، ولعله تعالى استغنى عن ذكر التوبة هنا اكتفاء بذكرها في الفرقان ، حيث قال : { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } [ الفُرقان : 68 ] ، ثم قال : { إِلاَّ مَن تَابَ } [ مريَم : 60 ] . وأما من قال : إن تلك منسوخة بهذه فليس بصحيح لأن النسخ لا يكون في الأخبار . أو فجزاؤه إن جُوزِي ، ولا بِدع في خلف الوعيد لقوله : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النَّساء : 48 ] لأن الوعيد مشروط بعدم العفو ، لدلائل منفصلة اقتضت ذلك كما هو مشروط بعدم التوبة أيضًا ، والحاصل : أن الوعد لا يخلف لأنه من باب الامتنان ، والوعيد يصح إخلافه ، بالعفو والغفران ، كما في بعض الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مَن وَعَدَه الله عز وجل على عملٍ ثوابًا فهو منجزه له لا محالة ، ومَن أوعَدَه على عمل عقابًا فهو بالخيار ، إن شاءَ عَفَا عنه ، وإن شاء عَاقَبه " هـ . ذكره في القوت . فَتَحَصَّل أن القاتل لا يُخلَّد على المشهور إلاَّ إذا كان مستحلاً ، وهذا أيضًا ما لم يقتص منه ، وأما إذا اقتُص منه فالصحيح أنه يسقط عنه العقاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " مَن أصَابَ ذَنبًا فعُوقِبَ بِه في الدنيا فَهُوَ له كَفَّارَةٌ " وبه قال الجمهور ، وكذلك إذا سَامَحَهُ ورثةُ الدم : لأنه حق ورثوه . والله تعالى أعلم . الإشارة : الإيمان محلة القلوب ، فالقلب هو المتصف بالإيمان حقيقة . فالمؤمن الحقيقي هو القلب ، فمن قتله بتتبع الشهوات ، وتراكم الغفلات ، فجزاؤه نار القطيعة في سجن الأكوان ، والبعد عن عرفان الشهود والعيان ، وفي الحِكَم : " سبب العذاب وجود الحجاب ، وإتمام النعيم بالنظر إلى وجهة الكريم " . والله تعالى أعلم .